بقلم:عماد الدين حسين
من هو الخاسر الأكبر إذا عادت العلاقات المصرية التركية إلى أحوالها الطبيعية، واستجابت أنقرة للمطالب المصرية العادلة التى أعاقت تطبيع العلاقات منذ أكثر من تسع سنوات؟.
يوم الأربعاء الماضى كتبت فى هذا المكان بعنوان: «شكل المنطقة إذا تحسنت علاقات مصر وتركيا»، وقلت فيه إن الشعبين المصرى والتركى والشعب الليبى ومنطقة شرق المتوسط والمنطقة العربية عموما، سوف تستفيد من هذا التحسن، لكن اليوم سأحاول الإجابة عن من هو المتضرر الرئيسى من هذا التحسن؟
فى ظنى أن جماعة الإخوان وأنصارها والمتعاطفين معها والدائرين فى فلكها هم أكثر من أصيبوا بالصدمة من المصافحة التى تمت بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس التركى رجب طيب أردوغان مساء يوم الأحد الماضى برعاية أمير قطر تميم بن حمد على هامش الحفل الافتتاحى لكأس العالم فى الدوحة وبالتالى فهم الأكثر تضررا من تحسن العلاقة.
الجماعة مهددة بفقدان الحاضنة السياسية والمعنوية والإعلامية والمكانية والمالية التى حصلت عليها فى قطر وتركيا، بعد أن أسقط المصريون مشروع حكمها فى ثورة شعبية فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
تركيا وقطر وفرتا للجماعة كل أنواع الدعم خصوصا الإعلامى. وإذا كانت الدوحة قد وفرت التمويل المالى بالأساس إضافة إلى المنصات الإعلامية، فإن تركيا قد قدمت للجماعة الإقامات والجنسيات والمهم الدعم السياسى، للدرجة التى كان فيها أردوغان أكثر تحمسا لقضيتهم من بعض قادة الجماعة أنفسهم.
ما فعله أردوغان للجماعة وكذلك قطر أكثر كثيرا مما حلمت به الجماعة نفسها، لكن أردوغان كان يريد الجماعة حصان طروادة للسيطرة على المنطقة، وفعل كل ما يمكنه لتحقيق هذا الحلم، لكنه أفاق فى النهاية على أن الجماعة فشلت فشلا ذريعا فى تحقيق كل ما وعدت به، وحينما اكتشف أن علاقته بالجماعة ستكون عبئا عليه وعلى حكومته وعلى فرص انتخابه مرة ثانية فى العام المقبل، قرر ببراجماتيته المعروفة أن يتخلى عن الجماعة، ولو بشكل مؤقت، ولذلك اتخذ قراره قبل نحو عام ونصف العام بمغازلة مصر والسعودية والإمارات، وتغيير سياساته المعلنة بصورة كاملة، وزار الرياض وأبوظبى واستقبل قادة البلدين فى بلاده، وأجرى مفاوضات أمنية واستكشافية مع مصر، توجت بالمصافحة التى رأيناها جميعا يوم الأحد الماضى فى الدوحة.
الجماعة لم تفكر اطلاقا أن الأنظمة التى استعملتها فى لحظة لتحقيق مصالحها، يمكنها فى لحظة أخرى أن «تستغنى عنها» من أجل مصالحها أيضا، وهذا ما تم حتى الآن.
ومع الضربات الأمنية الموجعة من أجهزة الأمن المصرى، والرفض الشعبى المصرى المستمر للجماعة نفسها، واذا أضفنا إلى ذلك سوء سياسات وخيارات الجماعة، فقد كان من المنطقى أن تشهد الجماعة انقسامات أفقية ورأسية بين أجنحة وتيارات فى إسطنبول ولندن، لدرجة أن بعض المراقبين يقولون إننا بصدد «جماعات» وليس جماعة واحدة. ويمكن القول إن حالتها الآن أصعب كثيرا من ضربات أعوام ١٩٥٤ و١٩٦٥، حينما دخلت فى صدامات خاسرة مع الدولة المصرية بنفس المنهج تقريبا، لكن مع فارق الظروف والعصر.
بعض منصات الجماعة الإعلامية، لا تريد أن تصدق حتى الآن أن أردوغان يحاول منذ عام ونصف العام تقريبا مصالحة الدولة المصرية، رغم كل الدلائل والمؤشرات الواضحة ومنها إغلاق معظم منصاتهم الإعلامية، وطرد بعض إعلامييهم، بل وطرد بعض قادتهم أو القبض عليهم لمخالفتهم تعليمات عدم مهاجمة الدولة المصرية ونظامها.
الجماعة لم تستفق ولا تريد أن تصدق حتى الآن إعادة العلاقات الرسمية بين القاهرة والدوحة وزيارة أمير قطر تميم بن حمد للقاهرة فى يونيو الماضى، ثم زيارة الرئيس السيسى للدوحة فى سبتمبر الماضى، ثم حضوره افتتاح كأس العالم، ناهيك عن العلاقات الاقتصادية المتنامية فى العديد من المجالات.
الجماعة لم تتعلم الدرس الأزلى والثابت والدائم فى السياسة، وهو أنه حينما تضع أوراقك فى سلة نظام خارجى، فإن هذا النظام قد «يرميك» فى أول فرصة حينما تتغير المصالح وتتبدل.
الجماعة لم تعد تملك الآن إلا الاصطياد فى ماء الأزمة الاقتصادية فى مصر، والتحريض على الدولة والنظام عبر السوشيال ميديا، والنفخ فى أى هفوة أو اصطياد أى معلومة أو كلمة أو تعبير.هى قد تجد مكانا تبث منه تحريضها الإعلامى المستمر، وقد تلجأ للعنف والإرهاب، كما هدد أحد أجنحتها بذلك أخيرا لكن كل ذلك لا يعيدها إلى المشهد السياسى، ناهيك عن أنها لم تتعلم من فشل درس ١١/١١ الماضى.