الواي فاي والنادلة الكندية

الواي فاي.. والنادلة الكندية

الواي فاي.. والنادلة الكندية

 العرب اليوم -

الواي فاي والنادلة الكندية

بقلم: عماد الدين حسين

مساء السبت قبل الماضي دعاني شريف بسطاوي عضو مجلس النواب في مقاطعة أونتاريو الكندية أنا وأربعة من زملائي الصحافيين لتناول العشاء في أحد مطاعم مدينة تورنتو. وكان معنا أيضاً ثلاثة من المصريين المقيمين في المدينة.

حينما جلسنا سأل أحد الحاضرين النادلة الكندية عن كلمة المرور الخاصة بالواي فاي في هذا المطعم، حتى يتمكن من الدخول على شبكة الإنترنت.

السيدة أجابت بصرامة قائلة: «لا يوجد عندنا واي فاي، ثم أضافت بلهجة حادة: المفترض أن الناس حينما تجلس معاً وتتناول الطعام فالطبيعي أنهم يتحدثون معاً ولا ينشغلون بالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي».

أقر وأعترف أن منطق وكلام هذه السيدة أعجبني، وتوقفت عنده، لأنه يكشف عن ظاهرة صارت عالمية بامتياز وهي أن الناس تجلس معاً، لكنها في كثير من الأحيان كل شخص غارق ومنعزل في عالمه الافتراضي.

صار طبيعياً أن العديد من المطاعم والكافتيريات توفر خدمة واي فاي للزبائن بل تضع كلمة المرور أو «الباسوورد» في أماكن ظاهرة للزبائن حتى تعفيهم من السؤال.

وأماكن أخرى تقدمها لهم إذا طلبوها، والبعض يختار مكاناً دون آخر أحياناً لأنه يوفر خدمة الواي فاي.

بالطبع هناك عدد كبير من الناس لديه باقات إنترنت متنوعة في هاتفه، والبعض الآخر إمكانياته المادية لا تسعفه أن يستخدم الإنترنت «عمال على بطال».

أعود إلى السيدة الكندية لأقول إن منطقها سليم وصحيح ومحترم، لكنه للأسف يكاد يتعرض للانقراض.

غالبية الناس في كل أرجاء العالم صارت مدمنة للنظر في الهواتف المحمولة طوال الوقت، حتى وهم يجلسون معاً. وتدرك أن غالبية الأسر لم تعد تتحدث معاً، بل الكل منشغل بالنظر في شاشة هاتفه الخاص من أول الأطفال الصغار نهاية بكبار السن.

الطبيعي أنه حينما يتفق مجموعة من الناس على الجلوس معاً، سواء لتناول المشروبات أو الطعام، فالأصل ألا ينشغلوا بالهاتف طوال الوقت، بل ينشغلوا بالحديث لبعضهم البعض.

ليس من اللائق أو المحترم أن يكون هناك شخصان يجلسان معاً، وينشغل أحدهما بالموبايل طوال الوقت، لأنه لو أنه مشغول إلى هذه الدرجة، فما الذي اضطره للمجيء أساساً والجلوس مع صاحبه؟!

يمكن تفهم أن ينشغل الشخص بهاتف مهم وضروري جاءه فجأة، لكن أن يتحول الأمر إلى الانشغال دائماً وطوال الوقت وفي كل اللقاءات فهو أمر يدعو للاستغراب، والرسالة الأساسية التي ستصل للطرف الآخر الموجود في نفس الجلسة، هو أن الشخص المشغول بالهاتف لا يحترمه من الأساس.

لا أهدف من وراء كل هذا الحديث إلى التقليل من أهمية الهواتف المحمولة أو العديد من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي.

فهي وسائل لعبت دوراً مهماً في تحسين جودة حياتنا، ووفرت الوقت والجهد والمال، لكن أتحدث فقط عن ضرورة ترشيد استخدام هذه الوسائل حتى لا نتحول جميعاً إلى شخصيات لا تستطيع أن تجيد الحديث مع الآخرين، شخصيات انطوائية انعزالية، وقد ننسى لاحقاً كيفية الحديث مع الآخرين.

وهناك دراسات اجتماعية حديثة تحذر من خطورة إدمان الأطفال خصوصاً لتكنولوجيا الاتصال الحديثة من موبايلات أو ألعاب إلكترونية، وقد سمعنا وقرأنا عن الجرائم المرتبطة بهذا الإدمان خصوصاً في بعض الألعاب الإلكترونية التي تحض على العنف، لكن الأثر الأخطر هو أن التواصل الاجتماعي الحقيقي بين الناس قد تراجع بصورة كبيرة. والمفارقة هنا أن هذه الوسائل التي نصفها بأنها اجتماعية قد قللت كثيراً من التواصل الاجتماعي الحقيقي بين الناس، وجعلته افتراضياً عبر الشاشات، وليس في الواقع الحقيقي.

صارت معظم معاني التواصل من كلمات وتعازٍ وتهانٍ تتم بكلمات باردة عبر الشاشات، ومن دون حتى صوت التليفون الذي حلت محله رسائل باردة وايموشانات واختصارات للكلمات والعبارات.

لا أدعي الحكمة، فأنا أحد الذين يقضون وقتاً طويلاً أمام شاشات الموبايل، وأعلل ذلك لنفسي بأن طبيعة عملي الصحفي تتطلب ذلك، وأنني أحتاج إلى الاطلاع اللحظي على آخر الأخبار والتطورات، لكن النتيجة واحدة وهي أن التواصل الفعلي مع الناس قد تراجع كثيراً.

شكراً لهذه النادلة الكندية الفاضلة التي جعلتني أتذكر ما كنت أقوله لنفسي دائماً، وهو ضرورة التواصل الاجتماعي الحقيقي، وأن ندرب أنفسنا على عدم الاستسلام لمصيدة الموبايل وتطبيقاته المتنوعة والجذابة والخطيرة.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الواي فاي والنادلة الكندية الواي فاي والنادلة الكندية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 23:03 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تكسر قاعدة ملكية والأميرة آن تنقذها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab