بقلم - عماد الدين حسين
هل سنشهد مصالحة بين الدول الأربع مصر والسعودية والإمارات والبحرين، وبين قطر فى الفترة المقبلة؟!
أمس الأول استعرضنا وجهة النظر المتفائلة للأكاديمى الإماراتى الدكتور عبدالخالق عبدالله، الذى يرى أن المصالحة آتية لا ريب فيها، وأمس تحدثنا عن الرؤية الرسمية للدول الأربع وقطر، طبقا لما جاء فى كلمات وزارء خارجيتهم أمام مؤتمر روما للحوار، واليوم نتحدث عن وجهة النظر الأخرى المتشائمة.
خلال وجودى فى الرياض لحضور المنتدى الإعلامى السعودى الأول يومى الاثنين والثلاثاء الماضيين، قابلت أكثر من مسئول وخبير ودبلوماسى وإعلامى عربى مطلعين على هذا الملف والسطور التالية هى الحصيلة..
إعلامى مصرى كبير يعيش ما بين أبو ظبى والرياض، قال لى إنه لا يرى أى مؤشرات على حدوث مصالحة فعلية، وكل ما حدث هو أن أمريكا ضغطت على قطر للمصالحة، فتظاهرت الدوحة بالاستجابة، وأرسلت وزير خارجيتها للرياض، وطلبت أمريكا من السعودية المصالحة، فتظاهرت بأنها موافقة، وبالتالى فإن الطرفين لا يريدان إغضاب واشنطن.
تأكيدا لوجهة النظر السابقة، فإن الدول الأربع، كانت قد طلبت من الدوحة أن تتخلى عن دعم الإخوان، وعن دعم جبهة النصرة «القاعدة فى سوريا» وعن دعم الحوثيين. والسؤال: هل فى إمكان الدوحة أن تخرج، وتعلن أن جماعة الإخوان إرهابية، أو حتى تتوقف عن دعمهم سرا؟!! المصدر الذى تحدث معى، قال إنه من شبه المستحيل أن تستجيب قطر للمطالب الرئيسية للدول الأربع، لأنها لو نفذتها فسوف تفقد دورها ووظيفتها الرئيسية.
هذا المصدر يقول إن احتضان قطر للإخوان ليس فقط مسألة وظيفية تريدها أمريكا، لكن الدوحة مزجت بين الرغبة الأمريكية، ومصالحها الخاصة، بحيث تستخدم الإخوان لتحقيق أهدافها، وهو ما يفيد الإخوان أيضا. وبالتالى فإنه ليس متصورا عقلا أن يقرر القطريون التخلى عن الإخوان، لأنهم ينسفون أحد الأسس التى يقوم عليها النظام الحاكم، منذ انقلاب يونيو ١٩٩٥.
الأساس الأول هو مناكفة ومكايدة السعودية بكل السبل الممكنة، سواء بورقة الإخوان أو التقارب مع إيران وتركيا، أو حتى إغواء أمريكا بأن الدوحة يمكنها أن تكون الحليف الأكثر طاعة، وإرضاء وتلبية كل الشروط والمطالب الأمريكية، خصوصا فيما يتعلق بقاعدة العيديد العسكرية، أو الصفقات العسكرية والاقتصادية المختلفة.
السؤال المهم: هل فعلا الولايات المتحدة تضغط على الأطراف الخليجية للمصالحة؟! هذا سؤال يبدو مربكا ومتناقضا، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة أحد المستفيدين الكبار من استمرار الأزمة، خصوصا فى الشق الاقتصادى والعسكرى، وتقوم بتوقيع الصفقات المتنوعة مع كلا الطرفين، وبالتالى، فالمفترض نظريا أن تحرص على إدامة الخلاف.
لكن وجهة نظر أخرى تقول، حتى لو كان ذلك صحيحا، فإن الهدف الأمريكى المهم الآن، هو حشد كل الأطراف المتحالفة مع أمريكا للضغط على إيران، وبالتالى فإن واشنطن ترى أن وجود قطر خارج المعسكر الخليجى الكبير، يعطى طهران مساحة أكبر للحركة والتأثير، إضافة بالطبع إلى تمنيات ومطالب وضغوط إسرائيلية على الولايات المتحدة وبعض بلدان المنطقة للاصطفاف ضد إيران.
هذه الرؤية تقول إن اللاعب الرئيسى فى هذا الملف هو المصالح الأمريكية، وبالتالى، فهى عندما تقرر أمرا، يصعب تصور رفض غالبية الدول الخليجية له. وإن كان هذا الأمر مردودا عليه بأن واشنطن دعت الأطراف الخليجية أكثر من مرة، لكن الدول الأربع رفضوا المصالحة، إلا بعد الاستجابة لمطالبهم الرئيسية، أو على الأقل الأساس منها.
يضيف هذا المصدر أنه صار معروفا أن ترامب حينما تولى الحكم كان أقرب لوجهة نظر الدول الأربع، بل لم يمانع حتى فى تغيير النظام القطرى، لكن قوى وجهات وأجهزة أمريكية مهمة وفاعلة، خصوصا أجهزة المخابرات ووزارتى الدفاع والخارجية وبعض مراكز البحث، أقنعت ترامب بالتهدئة، بل وعدم المجازفة بإحداث تغيرات جوهرية فى استراتيجية أمريكية ثابتة منذ سنوات، ترسم لكل دولة فى المنطقة دورا وحدودا لحركتها، قد تسمح بخلاف بين الحلفاء، لكن شرط ألا يؤثر على الاستراتيجية الأساسية والمصالح العليا للولايات المتحدة.
السؤال الأخير: هل هناك سيناريوهات أخرى ما بين الأكثر تفاؤلا والأكثر تشاؤما؟!!
المتوقع فى أفضل الأحوال هو تجميد الخصام، وانفتاح مظهرى، وابتسامات متبادلة وحضور قطرى رفيع المستوى فى مؤتمرات وفعاليات خليجية، وأولها قمة مجلس التعاون الخليجى غدا فى الرياض، وقد يشمل ذلك تهدئة إعلامية إلى حد ما، وصيغة عائمة تتيح لكل طرف الزعم بأنه حقق مكاسب، بحيث تظل النار كامنة ومستعرة تحت الرماد حتى تنفجر مرة أخرى أو يتم معالجة الأسس الحقيقية للخلاف.