بقلم - عماد الدين حسين
هل ستتأثر مصر بالصراع الروسى الغربى الدائر حاليا فى أوكرانيا، خصوصا بعد دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا صباح الخميس الماضى؟!
الإجابة هى نعم، ليس مصر فقط بل غالبية بلدان العالم بدرجة أو بأخرى.
انتهى الزمن الذى كان يمكن لدولة أن تقول إنها بمنأى من التأثر بأحداث وثورات وصراعات وحروب كبرى هنا أو هناك.
العولمة لها مزاياها، لكنْ لها أثمان يدفعها الجميع أحيانا، حتى لو لم يكونوا مشاركين فيها، بفضل وسائل الإعلام عموما، والتواصل الاجتماعى.
من اليوم فصاعدا سأحاول قدر الإمكان مناقشة تأثير الصراع الروسى الغربى فى أوكرانيا على مصر والمنطقة العربية والاقتصاد الأوروبى والحروب الإلكترونية والصراع العسكرى الخشن، وكنت بالأمس، قد ناقشت حيرة عدد كبير من دول العالم فى البقاء محايدين بين روسيا والغرب.
قراءة المشهد بهدوء تقول إن مصر ستتأثر بسبب هذا الصراع، وحتى الآن فإن التأثيرات السلبية تفوق نظيرتها الإيجابية، إذا كانت هناك إيجابيات.
البيانات تقول إن مصر فى العام الماضى استوردت٨٠٪ من احتياجاتها من القمح والحبوب من روسيا وأوكرانيا. وقبل الحرب فإن سعر القمح عالميا ارتفع بنسبة وصلت إلى ٤٠٪ بسبب تداعيات كورونا والتغيرات المناخية وبطء سلاسل الإمدادات، وكذلك ارتفعت أسعار معظم المحاصيل والسلع الرئيسية.
مصر هى أكبر مستورد للقمح فى العالم بحجم يقترب الآن من ١٣ مليون طن، وبمجرد عبور القوات الروسية الحدود الأوكرانية فى إقليم دونباس صباح الخميس، ارتفعت أسعار القمح بنسبة ٦٪ والتقديرات تقول إن استمرار الحرب بشكلها الراهن قد يزيد الأسعار بنسب تصل إلى ٥٠٪، وهذا الأمر يتوقف على عوامل كثيرة منها درجة الحسم العسكرى، وتأثير العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسى.
فيما يتعلق بالقمح هناك رؤيتان؛ الأولى غربية متشائمة، ووفقا لتقارير غربية منها ما نشرته «الإيكومنيست» فإن حصيلة استيراد القمح المصرى ستزيد بمقدار من ٦٠٠ مليون دولار إلى ١.٥ مليار دولار لتصل إلى ٣٫٩ مليار دولار بعد اندلاع الحرب، وإن دعم الخبز سوف يرتفع بمبلغ يصل إلى ٧٦٣ مليون دولار.
لكن الحكومة المصرية أكدت أن المخزون من القمح يكفى أربعة أشهر، وهناك أربعة ملايين طن من القمح المحلى سوف تدخل المخازن نهاية إبريل المقبل بعد موسم الحصاد، مما يجعل مصر آمنة حتى نهاية العام، خصوصا بعد زيادة سعر توريد القمح المحلى بـ ٩٥ جنيها للإردب ليصل إلى ٨٢٠ جنيها، وزيادة المزروع قمحا٣٠٠ ألف فدان إلى ٣٫٦ مليون فدان.
وإذا كنا نستورد النسبة الأكبر من الحبوب من روسيا وأوكرانيا فإن البلدين يمثلان ٥٠٪ من السائحين الذين يصلون مصر سنويا، خصوصا للغردقة وشرم الشيخ.
وكما كان متوقعا فقد تم إلغاء العديد من الحجوزات من البلدين لمصر ولبقية العالم والتقديرات تقول إن الفنادق سوف تتأثر بنسب تصل إلى ٢٥٪، والرهان الآن على عودة السائحين الإنجليز فى مارس مع الألمان. وللعلم فإن السياحة الأوكرانية هى التى أنقذت شرم الشيخ والغردقة طوال الفترة من ٢٠١٧ وحتى ٢٠٢٢، حينما توقف السائحون الروس عن المجيء بعد حادث تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء فى اكتوبر ٢٠١٥، والبلدان يمثلان ٧٠٪ من إجمالى السائحين الذين تدفقوا إلى شرم الشيخ فى الشهور الخمسة الأخيرة.
ضربة السياحة شديدة وإيجاد أسواق بديلة يحتاج إلى وقت وجهد وإبداع خلاق.
التأثير الثالث هو أن فاتورة واردات مصر من النفط سوف تزيد بعد أن تجاوز سعر البرميل حاجز المائة دولار قبل أيام، وإذا استمر هذا المعدل، فسوف يشعر به المواطن العادى إن آجلا أو عاجلا، لكن فى المقابل فإن الأزمة رفعت أسعار الغاز أيضا وهو ما تمتلك منه مصر فائضا، لكن لا أعلم تحديدا حجم صادراتنا من الغاز وهل هذا الفائض يعوض ما سندفعه للنفط والقمح والسياحة أم لا؟
هذه هى التأثيرات الثلاثة البارزة على مصر ودول كثيرة أى الحبوب والسياحة والنفط، لكن نسأل: هل سوف يشعر كل مواطن بهذه الأزمة، وهل ستزيد الأسعار، أم أن الحكومة سوف تتحمل الفرق، وما الذى ينبغى علينا أن نفعله لمواجهة هذه الأزمة التى فاجأتنا فى اللحظة التى كنا نعتقد أننا سنودع تداعيات كورونا، وسنبدأ فى الشعور بنتائج برنامج الإصلاح الاقتصادى الإيحابية. كل ما سبق أسئلة تحتاج إلى جهد كبير وتفكير عميق وخلاق حتى نقلل الخسائر إلى أدنى قدر ممكن.