بقلم : عماد الدين حسين
ما الذى يجعل كثيرا من المواطنين يخافون من اتجاه الحكومة الواضح لتطبيق الدعم النقدى، بدلا من الدعم العينى، الذى تعودوا عليه منذ عشرات السنين؟!
والسؤال الثانى: هل هناك فرق بين الدعم النقدى والعينى، طالما أن المواطن سيحصل على حقه فى كل الأحوال سواء كان نقديا أو عينيا كما تقول الحكومة؟.
نبدأ من السؤال الثانى والإجابة أن الحكومة تقول إن المواطن المستحق للدعم سوف يحصل على حقه كاملا إذا تم تطبيق الدعم النقدى، وحتى لو ارتفع معدل التضخم فإن الحكومة ستقوم بزيادة مبلغ الدعم النقدى لمواجهة الارتفاع الجديد فى سعر السلعة.
نظريا أيضا فإن الدعم النقدى يبدو جيدا جدا للحكومة لأنه سيجعل الدعم يصل فعلا إلى مستحقيه، وسيتم تقليل التشوهات والعجز فى الموازنة العامة للدولة.
إذن: أين المشكلة وما هى إجابة السؤال الأول؟!
المشكلة ببساطة أن كل كلامنا السابق نظرى فقط، وأن غالبية تجارب المواطن مع الحكومة فى مثل هذا النوع من القضايا شديد السلبية.
وإجمالا يمكن تلخيص مخاوف المواطنين فى مسألة الدعم فى بعض الأسباب الجوهرية وهى:
السبب الأساسى الأول هو غياب الرقابة على الأسواق، بمعنى أنه قد نتفق نظريا فى أن الدعم النقدى مفيد للمواطن وللدولة وللموازنة، ولن يتضرر منه إلا المحتكرون والمضاربون والتجار الجشعون، وعمليا فإن عدم قدرة أجهزة الحكومة المختلفة على الرقابة على الأسواق سيطلق يد المحتكرين فى الاستمرار فى نفس سياستهم السابقة وسيرفعون الأسعار إلى مستويات فلكية، ما يؤدى إلى جعل المواطنين عاجزين عن تحملها، وبالتالى ندخل فى قلاقل ومشاكل وأزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية لا يعلم خطورتها إلى الله.
نعلم أن الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها مصر، سواء كانت خارجية أو داخلية، وقد نتفق أو نختلف حول بعض التفاصيل، لكن لا أحد ينكر غياب الرقابة الفادح. وهناك مثال صارخ على هذا الأمر. فالحكومة أعلنت أكثر من مرة أنها اتفقت مع المخابز التى تبيع الخبز الحر غير المدعم على قواعد ومحددات السعر، خصوصا فى مسألة الوزن، وحددت سعرا واضحا لكل وزن، يراعى حق صاحب المخبز فى الربح الجيد، وحق المواطن فى الحصول على هذه السلعة الحيوية بالسعر العادل، لكن كل ذلك لم يطبق ورأينا أصحاب المخابز والفرشات يبيعون طبقا لهواهم ضاربين عرض الحائط بظروف الناس وكلام الحكومة، والسبب الجوهرى فى هذا الأمر هو أن الرقابة غائبة أو منعدمة أو ضعيفة لأسباب يطول شرحها.
مثال رغيف الخبز لمسناه فى العديد من الأزمات مثل تخزين سلع أساسية فى أوقات الأزمة مثل السكر والأرز والبطاطس، والنتيجة العملية لكل ما سبق هو أن المواطن يشعر أن الحكومة تتركه فريسة لجشع بعض التجار والمضاربين والمحتكرين من دون تحرك جاد منها.
السبب الجوهرى الثانى هو الخوف من عدم وجود بيانات ومعلومات كافية ومستحقة لدى الحكومة عن المستحقين للدعم.
الحكومة تقول إنها تملك هذه البيانات، والتجارب السابقة الكثيرة تقول إن بعض المصريين ماهرين تماما فى «ضرب الأوراق»، وإذا أضفنا عامل وجود بعض الموظفين منعدمى الضمير، فهناك سبب جوهرى حقيقى لقلق الناس من تطبيق الدعم النقدى.
شخصيا وحينما أفكر فى موضوع الدعم النقدى نظريا أقتنع به تماما لأنه فعلا يقضى على العديد من المشاكل ويجعل السلعة تباع بثمنها الحقيقى، وبعدها يصل الدعم النقدى إلى من يستحقه.
لكن عمليا وحينما أفكر فى واقع ضعف أجهزة الرقابة خصوصا مفتشى التموين، ومراقبى تعريفة المواصلات مثلا، أصل إلى تصور مرعب عن نتيجة ذلك فى اليوم التالى لتطبيق الدعم النقدى.
من أجل ما سبق فإننى أقترح على الحكومة قبل أن تفكر فى تطبيق الدعم النقدى على أرض الواقع، أن تتأكد أولا وأخيرا من معالجة هذه الهواجس خصوصا البيانات السليمة ومعها ضمان واضح وجلى وأكيد بأنها قادرة على رقابة الأسواق والضرب بيد من حديد على كل المحتكرين والمضاربين والجشعين حتى تبعث برسالة طمأنة للناس خصوصا الفقراء الذين تقول أحدث البيانات الحكومية أنهم يمثلون 35.4% من سكان البلاد. ومن دون ذلك فإن الأمر سيقود إلى كوارث لا حد لها.
نسأل الله أن يجنبنا إياها.