بقلم:عماد الدين حسين
من المسئول عن أزمة انقطاع الكهرباء الحالية، هل هى الحكومة وسياساتها، أم غضب الطبيعة والتغييرات المناخية التى تضرب العالم بأكمله، أم سلوكيات المواطنين والمجتمع التى لا تعرف قواعد الترشيد أم خليط من كل ذلك؟
هذا السؤال لن تجد له إجابة واحدة، وكل شخص سيقدم الإجابة حسب موقعه ومصالحه والمعلومات والبيانات الأساسية الموجودة لديه، ووسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعى التى يتعرض لها.
فى هذه السطور سأحاول عرض وجهات نظر مختلفة فربما نفهم الصورة بطريقة أفضل.
الحكومة تقول إن درجة الحرارة ارتفعت فى العالم بما فيه نصف الكرة الشمالى لدرجة أشعلت الحرائق فى العديد من المدن والمنتجعات كما حدث فى اليونان مثلا، أو وصولها إلى ٥٢ درجة كما حدث فى إحدى المدن الصينية. هذا الارتفاع فى درجة الحرارة جعل استهلاك المواطنين من الكهرباء يرتفع بسبب تشغيل المزيد من أجهزة التكييف وغيرها، وبدلا من استهلاك المصريين لـ٢٧ ألف ميجاوات كما كان الحال عليه قبل الأزمة صاروا يستهلكون ما بين ٣٧ ــ ٣٨ ألف ميجاوات وهو رقم غير مسبوق على الإطلاق.
سيقول البعض وما المشكلة أن ننتج ٣٨ ألف ميجاوات طالما أن الحكومة تقول إن لدينا محطات قادرة على إنتاج حتى ٤٥ ألف ميجاوات؟
الإجابة ببساطة أن الحكومة فعلا استثمرت كثيرا فى بناء العديد من المحطات الجديدة وطورت المحطات والشبكات القائمة وتكلف ذلك مليارات الدولارات واليوروهات خصوصا مع شركة سيمنز الألمانية، لكن إقامة المحطات وتطوير الشبكات لا يكفى فقط، فالأهم هو توافر الغاز والمازوت اللازم لتشغيل هذه المحطات.
سيسأل سائل آخر: وما هى المشكلة فى توفير الغاز طالما أن الحكومة تقول إن إنتاجنا منه يكفى، بدلا من تصديره للخارج خصوصا إسرائيل، وهل يصح أن نصدر لإسرائيل والخارج ونحن نحتاجه، ألا يصح أن نطبق المثل القائل: «ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع»؟!.
لسان حال الحكومة يقول إنها فوجئت مثل دول كثيرة بارتفاع درجات الحرارة لهذا المستوى غير المسبوق، وأن خطتها مبنية على متوسط استهلاك معين من الغاز والمازوت اللازم لتشغيل المحطات عند مستوى ٣٤ ألف ميجاوات، تضيف أيضا أنها لا تصدر الغاز لإسرائيل، وأن ذلك توقف منذ سنوات، بل إنها تستورد الغاز الخام من إسرائيل، ودول أخرى لإسالته فى محطتى إدكو ودمياط ثم تعيد تصديره بأسعار أعلى للعديد من الدول.
والأهم أنه لا يمكنها أن تلغى هذه الاتفاقات مع العالم الخارجى لأنه سيكلفها الكثير من سمعتها بل وستضطر لدفع تعويضات قد تصل إلى المليارات كما حدث مع دول وشركات أخرى من بينها إسرائيل نفسها، حينما تم وقف تصدير الغاز إليها قبل سنوات بفعل تعرض خط الغاز فى سيناء لعدة عمليات تخريب من الإرهابيين.
النقطة الأخرى هى أنه وطبقا لمصادر كثيرة ومنها فضائية «بلومبيرج الشرق» فى تقرير مساء الإثنين الماضى فإن وزارة البترول المصرية تزود وزارة الكهرباء يوميا بـ١٣٥ مليون متر مكعب من الغاز، وعشرة آلاف طن من المازوت، وهذه الكمية تسمح بتوليد ٣٢ ألف ميجاوات من الكهرباء، وبالتالى حينما يزيد الاستهلاك عن هذا الحد فنحن فى حاجة إلى دولارات أكثر لتوفير الغاز والمازوت لتوليد خمسة آلاف ميجاوات إضافية.
ويعلم كثيرون أن هناك مشكلة حقيقية فى توفير العملات الأجنبية ليس فقط لاستيراد هذه المواد، ولكن للعديد من السلع والخدمات الأخرى مثل القمح والزيوت والأدوية ومستلزمات الإنتاج الأساسية.
هذا هو لسان حال الحكومة، لكن البعض يرد ويقول إنها هى التى تحكم وتدير ومسئوليتها ألا نتفاجأ بالمشكلات، بل المطلوب أن يكون لديها بدائل لكل الأزمات، وليس ذنب المواطن أن يعانى. وقرأت منشورا للدكتور محمد نصر علام وزير الرى الأسبق مساء الإثنين الماضى على صفحته على الفيسبوك يقول: «هل الإعلان عن جداول ساعات قطع الكهرباء للمصريين لن يضر بالاستثمار والسياحة؟ نعم هو فيه درجة احترام للمصريين، ولكن الثمن غال، أم كان من الأفضل شراء المازوت المطلوب حتى يتم حل مشكلة الغاز؟».
طبعا الإجابة على هذا السؤال قد تتضمن احتمالات كثيرة منها أن الحكومة ستقول أنها خصصت من ٢٥٠ ــ ٣٠٠ مليون دولار لشراء المازوت طوال شهر أغسطس الحالى. لكن فى كل الأحوال فإن غضب وضيق الناس من هذه الأزمة الصعبة لا يجعلهم يتقبلون أى حجج أو تبريرات حتى لو كانت منطقية أو بفعل الطبيعة وليس كلها من صنع الحكومة.