من الواضح وطبقا لكل المؤشرات أننا نقترب هذه المرة من هدنة توقف العدوان الإسرائيلى الوحشى على قطاع غزة المستمر منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
للمرة الأولى يكاد يكون هناك تأكيدات من جميع الأطراف بأننا نقترب من الهدنة سواء من جانب المقاومة الفلسطينية أو الحكومة الإسرائيلية أو إدارة الرئيس الأمريكى بايدن التى تتهيأ للرحيل أو إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب التى تتهيأ لدخول البيت الأبيض الأسبوع المقبل.
وما لم تقع حادثة كبرى خطيرة، فإن الاتفاق سيتم الإعلان عنه فى أى لحظة من الآن وحتى ٢٠ يناير الحالى.
تقديرى أن أى اتفاق أو هدنة أو صفقة توقف العدوان الإسرائيلى، وبالتالى وقف الموت والخراب والدمار وقضم الأرض هو انتصار للشعب الفلسطينى الصابر والصامد، لكن علينا أن نكون واقعيين ونقر كعرب بأن الشعب الفلسطينى تعرض فى التحليل النهائى للضربة الأكبر والأقسى والأخطر منذ زرع إسرائيل فى المنطقة عام ١٩٤٨.
وقف العدوان الإسرائيلى يصب فى مصلحة الشعب الفلسطينى، لأنه ينهى أو على الأقل يعطل مشروع إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية وهو الهدف الحقيقى للعدوان وليس الأهداف الفرعية الشكلية المعلنة مثل استرداد الأسرى أو القضاء علي حركة حماس كما يتخيل الكثيرون.
ومن خلال مطالعة بنود الاتفاق المسربة، فعلينا أن نكون واقعيين، ونستخلص العبر والدروس الأساسية فى هذا الاتفاق المبدئى، وهنا بعض الملاحظات الأساسية:
أولا: لا أحد يجادل فى حق الشعب الفلسطينى فى مقاومة الاحتلال الإسرائيلى، لكن من الواضح أن إسرائيل استغلت عملية «طوفان الأقصى» وأخرجت مشروعا مركونا فى الأدراج الصهيونية منذ عقود طويلة وهو تصفية القضية الفلسطينية، وللأسف قطعت أشواطا طويلة فى هذا الصدد، لكنها لم تحققه بصورة كاملة.
ثانيا: إن ما كانت ترفضه حركة حماس طوال الشهور الماضية فيما يتعلق بالشروط الأساسية للاتفاق، قد قبلته الآن خصوصا ضرورة التزام إسرائيل بالوقف الكامل للعدوان، والانسحاب الكامل من القطاع.
وللموضوعية فإن موافقة حماس على الشروط الإسرائيلية الآن واقعى جدا حتى لا تعطى إسرائيل المبرر لتصفية القضية الفلسطينية بعد تلقيها ضربات مؤلمة واغتيال معظم قادتها وكوادرها وهو ما حدث أيضا لحزب الله وإيران. موافقة حماس على الصفقة لكن تعنى أن الضربة الإسرائيلية الغاشمة كانت شديدة البطش والإيلام.
ثالثا: نتيجة للنتائج الميدانية فإن حماس قبلت أيضا استمرار الوجود الإسرائيلى حتى لو كان قليلا فى مساحات من قطاع غزة، خصوصا شريط حدودى أو منطقة عازلة بعمق كيلو أو ٢ كيلو متر داخل القطاع.
رابعا: قبلت حماس ترحيل العديد من القضايا الأساسية لمراحل تالية، مما يعطى إسرائيل الحق والحجج فى العودة للعدوان مرة أخرى.
خامسا: هذا الاتفاق وعودة ترامب يعنيان أن حل الدولتين صار بعيدا للغاية حتى لو كرره القادة والرؤساء فى كل العالم.
سادسا: أفضل ما يفعله الفلسطينيون الآن هو التوحد وإنهاء الانقسام وإعادة بناء قطاع غزة استعدادا لجولة أخرى من النضال بمحتلف أشكاله لكن بعد قراءة الواقع بصورة صحيحة والتعامل معه حتى يتحقق هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ما سبق هى ملاحظات مبدئية على ما تسرب من مسودة للاتفاق. وظنى أنه من أسوأ أنواع التحليل السياسى هو التعامل مع القضايا بمنطق مشجعى الدرجة الثالثة فى مباريات كرة القدم.
النظرة الموضوعية تقول إن الشعب الفلسطينى قدم نموذجا أسطوريا فى الصمود رغم آلة القتل الوحشية العنصرية، وما تعرض له طوال الفترة منذ ٧ أكتوبر قبل الماضى. وهزيمة تنظيمات المقاومة هى مجرد معركة فى حرب طويلة بدأت منذ عام ١٩٤٨، ومثل هذا النوع من الحروب كر وفر سوف يستمر حتى تتغير الظروف ويتمكن الشعب الفلسطينى من نيل استقلاله وإسقاط النموذج الصهيونى العنصرى.
لكن من ناحية ثانية فإن ما حدث يتطلب إقرارا من تنظيمات المقاومة بأن تقرأ المشهد الحالى بصورة عملية وتعيد النظر فى أسلوب المقاومة، ليس بوقفها وقبول الهمجية الإسرائيلية، بل بأفضل الطرق لإنهاء الاحتلال. للأسف إسرائيل حققت أهدافا استراتيجية كثيرة ليس فقط فى غزة، ولكن فى المنطقة، لكن العزاء الوحيد أن أى احتلال إلى زوال مهما طال الأمد. المهم أن نعرف كيفية مقاومته بالطرق الصحيحة وليس بالشعارات الجوفاء والخطب الحنجورية وخداع البسطاء بالأوهام.