بقلم - عماد الدين حسين
يبدو أن المقال الذى كتبته يوم الأحد الماضى بعنوان: «هذا هو حال بعض الصحفيين» قد أثار الكثير من الجدل. وبالأمس أوضحت وجهة نظرى بأننى لست ضد عمل الصحفى فى أكثر من مكان، طالما أنه لا يقدم المادة الصحفية نفسها لمكانين متنافسين فى وقت واحد.
واليوم أحاول أن أرد على بعض الانتقادات الموضوعية الموجهة لى من زملاء أعزاء على صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعى، ومنهم من سألنى عن مرتبات الصحفيين فى «الشروق»، ولماذا لم أطالب فى المقال الأول بتحسين الوضع المالى للصحفيين والمهنة نفسها، حتى لا يضطر الزملاء للعمل فى أكثر من مكان. وهناك زميل فاضل قال لى إنه كان من الأولى معالجة الأوضاع التى أدت إلى الوصول لهذا المستوى.
ولكل هؤلاء الزملاء أقول مرة أخرى إننى لا أختلف معهم فى فكرتهم، وأكرر أننى لم أطالب بمنع العمل فى أماكن أخرى لتحسين الدخل، ولكن طالبت بعدم العمل فى مكانين متنافسين بنفس المصدر، أى أن أعطى خبرا أو حوارا أو تقريرا واحدا لأكثر من صحيفة أو موقع فى نفس الوقت.
أعود لملاحظات الزملاء وأقول لهم إننى أدرك تماما الواقع المر الذى يعيشه الصحفيون عموما، وصغار السن منهم خصوصا، والدليل على ذلك أننى كتبت فى هذا الموضوع أكثر من مرة، والأرشيف موجود.
أحد الزملاء المعلقين كتب يقول: هل يعلم الأستاذ عماد كم يتقاضى صحفى مر على عضويته بنقابة الصحفيين عشر سنوات، وهل طبقت الصحف المصرية الخاصة قرار الحد الأدنى للأجور، وهل لدى رؤساء التحرير فكرة عن متوسط الأجر اليومى للصحفيين، وهل يعلم أن هناك صحفيين يعملون سائقين على أوبر أو بائعين فى محلات ملابس؟!
ولهذا الزميل أقول: نعم، أعرف ما يتقاضاه الصحفيون، لأننى من يوقع على كشوف المرتبات شهريا، وأدرك تماما أنها مرتبات هزيلة جدا، بل ومهينة فى حق الصحفيين.
ولهذا الزميل وغيره الذين اتهمونى أننى أعيش فى برج عاجى أقول: إننى كتبت قبل عامين عن تجربة زميل عزيز ومتميز افتتح هو وزميل آخر مطعما فى شقتهم لتوصيل الوجبات المطبوخة منزليا، ويومها وجهت اللوم الكبير لكل من ساهم فى توصيل الوضع إلى هذه النهاية المأسوية.
أما عن الحد الأدنى للأجور، فلا أعلم هل طبقته كل الصحف الخاصة والقومية أم لا، لكن الذى أعلمه جيدا أن مرتبات الزملاء فى بعض الصحف الخاصة لا تليق، ولولا بدل النقابة إضافة إلى العمل فى أماكن أخرى، لكان حال الصحفيين أسوأ كثيرا.
لكن هناك فارقا بين النقد «عمال على بطال» وبين القراءة الموضوعية للقضية فى إطار وسياق صحيح.
الصحف الخاصة ازدهرت وترعرت منذ بداية الألفية، وكانت تقدم مرتبات مغرية جدا للعاملين فيها، ثم تعرضت لظروف صعبة اقتصادية وسياسية متنوعة، وبعض هذه الصحف كان أمام خيارين مريرين: إما أن يغلق أبوابه ويجلس الصحفيون فى بيوتهم، أو يتقشف الجميع، وأعرف يقينا أن بعض أصحاب هذه الصحف دفعوا عشرات وربما مئات الملايين من أجل أن تستمر هذه الصحف.
هل هذا الكلام يعنى تبرير الأوضاع المأسوية للصحفيين، بحيث إن راتب الصحفى صار الأضعف تقريبا بين كل المهن سواء كانت مهن القمة أو القاع؟!
الإجابة هى: لا، لكن من المهم أن نقرأ الصورة فى سياق كامل وشامل بدلا من اجتزائها أو شخصنتها.
كتبت كثيرا عن الظروف الاقتصادية التى يعانيها عدد كبير من الصحفيين، وطالبت بضرورة تحسين هذه الأوضاع، وأتمنى أن تتحرك كل الجهات المسئولة لدراسة هذا الملف شديد الحساسية ليس فقط دفاعا عن حق الزملاء فى حياة كريمة ومحترمة، ولكن حتى لا تفقد وسائل إعلامنا ما بقى لها من تأثير وسط استهداف لها من جهات إقليمية ودولية تملك الأموال الكثيرة وتريد أن تقود المنطقة وتؤثر فيها.
أكرر مرة أخرى أننى مع حق كل زميل فى البحث عن كل الطرق لتحسين دخله، طالما كانت فى إطار القانون، وقواعد المهنة، لكن ذلك لا يعنى بأى حال من الأحوال أن يقدم الصحفى خبرا أو موضوعا لوسيلتين إعلاميتين متنافستين فى وقت واحد، وأرجو أن تكون الرسالة قد وصلت بوضوح، والحديث طويل ومتشعب فى هذه القضية، وأتمنى أن يكون هذا الموضوع على طاولة الحوار الوطنى المزمع، خصوصا أن نقيب الصحفيين ضياء رشوان هو منسق هذا الحوار.