بقلم : عماد الدين حسين
هل وصلنا إلى النهاية التوافقية السعيدة لقانون «المسئولية الطبية وسلامة المريض»، بحيث يتحقق الصالح العام لمختلف الأطراف سواء المرضى أو الأطقم الطبية؟
أتمنى أن تكون الإجابة هى نعم، وأعتقد أنها كذلك خصوصا بعد أن قال نقيب الأطباء الدكتور أسامة عبدالحى بوضوح عقب إقرار القانون: «أشكر مجلس النواب أغلبية ومعارضة، فهذا أول قانون محدش يعترض على صدوره».
يوم الثلاثاء الماضى وافق مجلس النواب برئاسة المستشار حنفى الجبالى بصورة نهائية على مشروع القانون «المسئولية الطبية وسلامة المرضى»، وهى نهاية سعيدة نزعت فتيل قنبلة كان يمكن أن تؤدى إلى عواقب وخيمة على المجتمع بأكمله، فى توقيت شديد الصعوبة محليا وإقليميا ودوليا.
نتذكر أن مجلس الشيوخ وافق على هذا القانون فى 23 ديسمبر الماضى. فى تقدير البعض فإن هذا الإصدار كان متسرعا. والنتيجة أن غالبية الأطباء انتفضوا ووجدوا أن العديد من مواد القانون تشكل خطرا عليهم وعلى عملهم، بما يدفع بعضهم إلى ترك هذه المهنة، وعدم تشجيع الطلاب على الالتحاق بكليات الطب. ورأينا دعوات لعقد جمعية عمومية طارئة للأطباء، والدعوة إلى التصعيد والإضراب، مما كان سيقود إلى أزمة شديدة.
فى هذه اللحظة كان للدور العقلانى للنقيب أسامة عبد الحى أثر كبير فى التهدئة والبحث عن حلول عملية للمواد والبنود التى أثارت غضب جموع الأطباء. عبد الحى تواصل مع مختلف الجهات ذات الصلة فى الدولة وبذل جهدا كبيرا، وساعده فى ذلك وجود الأصوات العاقلة فى الحكومة والبرلمان وقدموا له وعودا محددة، مما أبطل الدعوة إلى عقد الجمعية العمومية.
يومها قال النقيب للمتشددين داخل النقابة: «ما الذى سوف نستفيده من التصعيد، إذا كنا قد حصلنا على وعود محددة بتغيير المواد التى نعترض عليها، علينا بالصبر قليلا، وسوف ننتظر ونرى».
وبالفعل فإن لجنة الصحة داخل مجلس النواب لعبت دورا مهما ورئيس المجلس المستشار حنفى جبالى، وكذلك الدور الذى لعبه الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة، والمستشار محمود فوزى وزير المجالس النيابية والتواصل السياسى، والعديد من النواب وهكذا تم انتزاع العديد من الألغام التى تم زرعها داخل هذا القانون من وجهة نظر الأطباء، وتقديم حلول عملية لها لاقت موافقة الجميع تقريبا.
اللغم الأول: تمثل فى ضرورة وضع تعريف قانونى محدد لمصطلح «الخطأ الطبى الجسيم» بدلا من الصياغة الغامضة الأولى بحيث صار: «هو الخطأ الطبى الذى يبلغ حدا من الجسامة بحيث يكون الضرر الناتج عنه محققا، ويشمل ذلك على وجه الخصوص ارتكاب الخطأ الطبى تحت تأثير مسكر أو مخدر أو غيرهما من المؤثرات العقلية أو الامتناع عن مساعدة من وقع عليه الخطأ الطبى أو عن طلب المساعدة له».
اللغم الثانى: هو حبس الأطباء بسبب الأخطاء الطبية حيث استحدث القانون إنشاء لجنة عليا للمسئولية الطبية، تكون هى الخبير الفنى لجهات التحقيق أو المحاكمة فى القضايا المتعلفة بالمسئولية الطبية، وهى التى ستتولى التحقيق مع الطبيب، وتحدد هل ما حدث خطأ طبى معتاد أما جسيم، وبعدها تحيل الأمر للنيابة، وبالتالى فرأيها ودورها مهم جدا. وهكذا تم إلغاء الحبس الاحتياطى وهو مطلب لجموع الأطباء منذ البداية.
اللغم الثالث: الغرامة والتعويض، تم تخفيض مبلغ الغرامة فى حالات الخطأ الطبى غير الجسيم لتتراوح بين عشرة آلاف و 100 ألف جنيه، بعد أن كانت تصل إلى مليون جنيه فى قانون مجلس الشيوخ، مع إنشاء صندوق حكومى للتأمين ضد أخطاء المهنة وهذا التعديل قدمه عبدالهادى القصبى رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن.
من مزايا القانون الجديد استحداث مادة تجرم الشكاوى والبلاغات الكيدية ضد مقدمى الخدمة الطبية، وكذلك غرامة تصل إلى خمسين ألف جنيه لمن يهاجم مقدمى الخدمة أو المنشآت الطبية.
وهذا الصندوق يغطى كامل الغرامات والتعويضات اللازمة بتمويل قائم على اشتراك إلزامى لجميع مقدمى الخدمة الطبية.
تحية وتقدير لكل من لعب دورا مهما فى إخراج هذا القانون بشكله النهائى، وكل الأمل أن تكون عملية إصدار القوانين فى المرحلة المقبلة بطريقة تضمن تحقيق أكبر قدر من التوازن للأطراف المختلفة.