بقلم - عماد الدين حسين
هل يتعظ أنصار ونشطاء حقوق الإنسان العرب من جولة الرئيس الأمريكى جو بايدن الأخيرة فى المنطقة، أم يستمرون فى الرهان على دول وقادة ومسئولين يمكن أن يتخلوا عنهم حينما تتصادم مصالح بلدانهم مع الشعارات التى يرفعونها؟!
أطرح هذا السؤال وأنا أعرف إجابته مقدما، لكنه فى النهاية محاولة للتذكير بأن الرهان على الخارج فى بعض المسائل مثل حقوق الإنسان والحريات يتضح أنه خاسر فى أوقات كثيرة.
أدرك أن بعض هؤلاء النشطاء سيرد على كلامى ويقول إن غالبية الحكومات العربية أغلقت أمامهم كل سبل العمل الشرعى والاعتماد على قواهم الذاتية أو جمعياتهم ومنظماتهم الداخلية فى بلدانهم، وبالتالى فهم كانوا مضطرين للاعتماد على الخارج.
نعلم ونتذكر أن عددا كبيرا من هؤلاء النشطاء، ومعهم سياسيون معارضون لحكوماتهم العربية قد فرحوا كثيرا بفوز بايدن بالرئاسة الأمريكية فى نوفمبر ٢٠٢٠، وهزيمة دونالد ترامب الذى اعتبروه نصيرا لعدد كبير من حكومات بلادهم التى يعارضونها.
آمال وأحلام هؤلاء وصلت عنان السماء، حينما أطلق بايدن العديد من الوعود والشعارات ضد بعض الحكومات والقادة العرب، وصلت إلى حد التجريح الشخصى، والتعهد بأنه لن يجلس معهم، بل سيجعلهم هم ودولهم منبوذين، وأن علاقاته بدول وقادة المنطقة سيكون معيارها الأساسى هو الحريات وحقوق الإنسان.
بعض هؤلاء النشطاء العرب لم يتعظ من التاريخ القريب أو البعيد، وألقى بكل أوراقه فى سلة بايدن ظنا أنه الفارس الذى سيحقق لهم كل ما فشلوا فيه هم وأحزابهم وقواهم السياسية والأهلية فى تحقيقه.
هل يؤمن بايدن بالحريات وحقوق الإنسان، وهل كان صادقا حينما رفع هذه الشعارات والوعود؟! أغلب الظن أن الإجابة هى نعم، فمسألة الحريات والحقوق ركن أساسى لدى الحزب الديمقراطى مقارنة مثلا بالحزب الجمهورى.
لكن الجميع فى أمريكا سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا يتعامل مع مصالح بلاده وحزبه أولا، وإذا تصادمت المصالح مع المبادئ والشعارات فإن الأولى هى التى تربح دائما وأبدا، وبايدن نفسه كان محقا حينما حاصره معارضوه وبعض وسائل الإعلام، بشأن زيارته للسعودية فقال بوضوح إننى ذاهب من أجل المصالح الأمريكية العليا.
إذن كان يفترض بالنشطاء والمعارضين العرب أن يدركوا من البداية أن القطيعة بين بايدن وأى رئيس أمريكى أو أوروبى من جهة، وبين بعض الحكومات العربية، هى مسألة مؤقتة ويمكن أن تنتهى فى أى لحظة حينما تكون هناك مصالح مشتركة بين الطرفين.
حدث ذلك فى الماضى ويحدث فى الحاضر وسوف يستمر فى المستقبل، ولا يلوم النشطاء والمعارضون إلا أنفسهم حينما يتفاجأون كل مرة بأن الولايات المتحدة أو أى دولة أوروبية قد «باعتهم» عند أول منعطف أو مصلحة مع أى حكومة من حكومات المنطقة أو العالم الثالث عموما.
هل يعنى كلامى أن الحكومات الغربية لم تضغط مطلقا على الحكومات العربية بشأن ملف حقوق الإنسان؟
الإجابة بالنفى القاطع، فالعديد من الإدارات الأمريكية والحكومات الغربية والبرلمان الأوروبى ضغطوا كثيرا بشأن قضايا حقوقية فى منطقتنا العربية، ونتذكر مثلا أنهم سعوا لإطلاق سعد الدين إبراهيم وأيمن نور وآخرين فى زمن حسنى مبارك، وسعوا لإطلاق المتهمين فى قضية المنظمات الحقوقية زمن المجلس العسكرى، وبعض عناصر الإخوان قبل سنوات، لكن القاعدة الأساسية أنهم ينسون كل ذلك حينما تتصادم مصالحهم مع قضية حقوق الإنسان والحريات، وأبلغ دليل على ذلك أنهم أقاموا علاقات وثيقة مع معظم الأنظمة المستبدة فى العالم منذ قديم الزمان وحتى هذه اللحظة. فهل يتعظ النشطاء والمعارضون هذه المرة ويراهنون على أنفسهم وعلى مواطنيهم وألا يضعوا كل أوراقهم فى سلة بايدن أو أى دولة أوروبية؟!
وأن يتوقفوا عن حمل الصخرة من أسفل الوادى إلى أعلى المنحدر المدبب كما كان يفعل سيزيف فى الأسطورة الإغريقية!