بقلم: عماد الدين حسين
المصالح تتصالح، وما كان يبدو مبادئ تغير، وهكذا تراجع الرئيس الأمريكى جو بايدن عن كل وعوده وتعهداته بشأن السعودية وحكومتها وولى عهدها محمد بن سلمان.خلال حملته الانتخابية تعهد بايدن بأن يجعل الحكومة السعودية منبوذة، بتهمة الوقوف وراء مقتل الصحفى السعودى جمال خاشقجى فى مقر القنصلية السعودية فى اسطنبول التركية فى أكتوبر ٢٠١٨، بل ونشرت الإدارة الأمريكية تقريرا استخباراتيا يتهم الأمير محمد بن سلمان بأنه شخصيا يقف وراء قتل خاشقجى، وهو الأمر الذى نفاه الأمير محمد وأعلن أنه تم محاكمة المتهمين ومعاقبتهم.
بايدن رفض منذ توليه منصبه فى يناير قبل الماضى بألا يتصل بالأمير محمد أو يلتقى به، وقبل شهور قال ما معناه: «هناك مسئولون يعملون على زيادة أسعار البترول لمعاقبة الولايات المتحدة لأننى أرفض التحدث إليهم».
لكن بايدن غير موقفه ١٨٠ درجة تقريبا.
ويوم الجمعة الماضى أعلن مسئولون أمريكيون أن واشنطن مستعدة لإعادة ضبط العلاقات مع السعودية بهدف إصلاح العلاقات بين البلدين.
وطبقا لمسئول أمريكى رفيع فإن الدولتين اتفقتا بالفعل على تجاوز مقتل خاشقجى فى سبيل إحلال السلام بالمنطقة. وترجمة لذلك زار العديد من كبار المسئولين الأمريكيين الرياض والتقوا بولى العهد ومنهم جيك سوليفان مستشار الأمن القومى، واتفقوا تقريبا على معظم التفاصل التى تمهد لزيارة بايدن للرياض ربما منتصف الشهر المقبل.
السؤال: هل لقاء بايدن مع بن سلمان وزيارة الرياض هدفه فعلا إحلال السلام فى الشرق الأوسط كما تقول واشنطن؟!
الإجابة بالطبع هى لا.
أمريكا ليست مهتمة كثيرا بإحلال السلام فى الشرق الأوسط وإعادة الحقوق للشعب الفلسطينى والتوقف عن الدعم الأعمى لإسرائيل منذ عام ١٩٤٨ وحتى الآن.
القضية باختصار هى البترول أولا وأخيرا. ويكفى أن نعرف أن مستشار بايدن لشئون الطاقة آموس هوشتاين هو من التقى مع محمد بن سلمان، إضافة إلى مستشار بايدن لشئون الشرق الأوسط بريت ماكفورك.
بعد أن غزا فلاديمير بوتين أوكرانيا اشتعلت أسعار النفط ووصلت إلى مستوى ١٣٩ دولارا للبرميل وهى مستقرة الآن حول مستوى ١٢٠ دولارا. هذا المستوى جعل الأمريكيين يصرخون، وجالون البنزين قفز للمرة الأولى فوق حاجز الدولارات الخمسة. وبالتالى فإن بايدن متخوف تماما من أن يتحول تصويت الأمريكيين إلى تصويت عقابى ضد الحزب الديمقراطى الحاكم فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس فى نوفمبر المقبل.
السعودية أحدى الدول المستفيدة جدا من ارتفاع أسعار النفط باعتبارها من أكبر الدول إنتاجا وتصديرا. وبايدن يريد منها أن تزيد من إنتاجها هى وبقية الدول المنتجة للنفط، حتى ينخفض سعره، وبالتالى يتحقق هدفان أساسيان، الأول أن تتوقف ثورة المواطنين الأمريكيين والأوروبيين ضد حكوماتهم، وثانيا أن يتوقف تمويل آلة الحرب الروسية المستفيد الأكبر من استمرار ارتفاع أسعار الطاقة خصوصا البترول والغاز.
مسئول أمريكى كان واضحا وصريحا إلى حد كبير، حينما قال لصحيفة نيويورك تايمز قبل أيام إن بايدن سيزور الرياض قريبا وربما يلتقى زعماء دول أخرى بالمنطقة سعيا لخفض أسعار الطاقة. فى حين قال مسئول أمريكى كبير لوكالة الأنباء الفرنسية: «إذا ما اعتبر بايدن بأن من مصلحة أمريكا التعامل مع زعيم أجنبى وأن التزاما كهذا يمكن أن يسفر عن نتائج، فعندئذ سيقوم بذلك، وأنه ليس هناك شك بأن مصالح مهمة للولايات المتحدة مرتبطة بمصالح السعودية.
وتزامنا مع هذه اللهجة الأمريكية الجديدة، فقد اتفق كبار منتجى النفط بقيادة السعودية على زيادة كبيرة فى الإنتاج أكبر من المتوقع بنحو ٤٠٠ ألف برميل يوميا.
فى مارس الماضى نشرت مجلة «ذى أتلانتك» حوارا موسعا مع محمد بن سلمان وردا على سؤال عن علاقته مع بايدن، قال: «الأمر متروك له، للتفكير فى مصالح أمريكا».
وبعدها وحينما زادت أسعار البترول سمعنا إشادات من بايدن بالسعودية، فيما يتعلق بالملف اليمنى وجهودها لتمديد الهدنة.
الخلاصة من كل ما سبق أن الدول تتعامل بالمصالح أولا وأخيرا، وحينما تتصادم المصالح مع المبادئ، فإن المصالح تأتى أولا وثانيا وتاسعا، فى حين قد تأتى المبادئ عاشرا.
بالطبع من الجيد أن تتفق المصالح مع المبادئ، لكن فى السياسة لا يستمر شىء على حاله، وفى هذه الجولة فقد كسب محمد بن سلمان وخسر بايدن. والسؤال هل كسرت السعودية الصيغة التى تقوم عليها علاقتها التاريخية مع أمريكا أم أن ما حدث مجرد سحابة صيف سوف تنقشع بعد أيام؟!!.