بقلم - عماد الدين حسين
أتمنى كمسلم أن أرى معظم خطباء وأئمة الجمعة مثل نموذج الشيخ رضا عبدالعظيم الذى حضرت له خطبة مميزة فى أحد مساجد قرية التمساحية بمركز القوصية محافظة أسيوط يوم الجمعة قبل الماضية ٣٠ يونيو التالية مباشرة لعيد الأضحى المبارك.
تقديرى وأتمنى أن أكون مخطئا أن عددا لا بأس به من خطباء الجمعة صار عاديا جدا، والبعض الآخر مميز وهم قلة قليلة، والبعض الثالث يكاد يكون فى خدمة داعش وسائر التنظيمات المتطرفة بحسن نية، والبعض الرابع مرتبط بتنظيمات متطرفة لكنه لا يكشف عن قناعاته خوفا من المساءلة والمحاسبة القانونية.
يوم الأربعاء الماضى الذى صادف عيد الأضحى كتبت فى هذا المكان تحت عنوان «التقدم والتخلف.. بالدين أم بالعمل؟» مستعرضا نموذجا لأحد الخطباء الذى قال فى خطبة الجمعة إن المعاصى سبب تخلف المسلمين، دون أن ينتبه إلى أن العديد من الدول ترتكب معاصى أكثر من بلدان إسلامية كثيرة، ولكنها متقدمة جدا، ومن دون أن يقول للناس إن هناك معايير وشروطا للتقدم من يطبقها يحقق هذا التقدم حتى لو كان غير مسلم.
فى الأسبوع الماضى سافرت إلى قريتى لقضاء عيد الأضحى مع والدتى وأخوتى، وبعدها بيومين صليت الجمعة، وكان الخطيب هو الشيخ رضا عبدالعظيم هو فى الأساس ليس أزهريا، لكنه خريج كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وعمل مدرسا لها سنوات طويلة.
ولأنه خطيب مميز فإنه كسر قاعدة شبه ثابتة فى القرية ومعظم القرى المجاورة. فكل شخص يذهب تقريبا للصلاة فى المسجد الذى يخص عائلته أو المنطقة المقيم فيها، لكن المسجد الذى يخطب فيه الشيخ رضا «شرق البلد» يذهب إليه كثير من أهل القرية بغض النظر عن عائلاتهم.
موضوع خطبة الجمعة يومها كان عن «نعمة الأمن»، ويمكن بسهولة أن نخمن أنه موضوع مركزى موزع من وزارة الأوقاف بمناسبة الذكرى العاشرة لثورة ٣٠ يونيو.
وأتفهم تماما قيام وزارة الأوقاف بتوحيد خطبة الجمعة فهى رغم أى شىء ــ أفضل مليون مرة من أن يغرد كل خطيب حسب هواه، وربما يقع فريسة لهذا التنظيم أو ذاك. لكن النقطة الجوهرية هى كيفية تنفيذ الخطباء والأئمة لهذا التكليف الموحد.
غالبية الخطباء يتحدثون من أوراق مكتوبة تكون غالبا باردة من دون روح. وقلة من الخطباء هم الذين يبثون الروح فى كلمات وتعبيرات موجودة فى الكتب منذ أكثر من ١٤٠٠ سنة. ونعلم بالطبع أن عددا لا بأس به من الناس عموما، والمصلون جزء منهم قد ينفر من الكلام الرسمى إذا قيل من ورقة مكتوبة وبلا روح.
لكن الشيخ رضا تمكن ببراعة فائقة من قول هذا الكلام عن نعمة الأمن بلغة وصلت إلى كل الناس الجالسين أمامه فى المسجد، وبعضه لا يقرأ ولا يكتب. هو حدثهم بلغة يفهمونها وبأمثلة من أرض الواقع، وكيف أن معظم آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية قدمت الأمن على كل شىء من أول المأكل والمشرب نهاية بالإيمان والإسلام. وأنه من دون الأمن لن تكون هناك إمكانية لأى شىء من أول العمل والعلم نهاية بالاستقرار.
غالبية المصلين خرجوا من الصلاة وهم راضون تماما ومقتنعون بما قاله الخطيب، من دون أن يدركوا أن موضوع الخطبة مركزى ومرتبط بذكرى ثورة ٣٠ يونيو.
ظنى الشخصى أننا نحتاج إلى نموذج الشيخ رضا الذى يجمع بين حب وتصديق الناس، وبين الفهم العميق لجوهر الدين والفهم المعتدل له، وأنه ينبغى أن يكون فى خدمة الناس وسعادتهم، والأهم أن يكون سلوكه وتصرفاته تطابق أقواله وكلماته.
أتمنى أن تركز وزارة الأوقاف وكل الأجهزة ذات الصلة على مزيد من دورات تدريب وتأهيل الأئمة والخطباء كى يستطيعوا أن يشرحوا جوهر الدين ومقاصده للناس بصورة صحيحة، وألا يكونوا مجرد مرددين لكلمات وعبارات من دون روح.
نحتاج بشدة إلى نماذج من الخطباء متعلمة ومثقفة ومتبحرة فى علوم الدين والدنيا، حتى يساهموا ضمن فئات كثيرة أخرى فى تقدم هذا البلد والأمة بأكملها، بدلا من أن تتاجر به تنظيمات متطرفة وأنظمة استبدادية كل لمصلحته الخاصة.