بقلم:عماد الدين حسين
هل صدور قانون جديد للتصالح فى مخالفات البناء سيحل المشكلة أم أن الأمر أعمق كثيرا من مجرد إصدار قانون جديد، حتى لو تلافى أخطاء القوانين السابقة؟.
هذا السؤال تردد فى مناقشات بعض أعضاء مجلس الشيوخ أيام الأحد والإثنين والثلاثاء الماضية، حينما كان المجلس يناقش مشروع القانون الجديد الذى قدمه النائبان بمجلس النواب إيهاب منصور وعمرو درويش، وكذلك التقرير الذى أعدته اللجنة المشتركة من لجنتى الإسكان والإدارة المحلية والشئون الدستورية فى مخالفات البناء.
مجلس الشيوخ وافق يوم الثلاثاء على القانون الجديد، ويفترض أن يناقشه مجلس النواب قريبا لإصداره نهائيا.
نعود للسؤال الذى بدأنا به ونقول إن قلق بعض النواب منطقى وطبيعى.
وخلال وجودى داخل الجلسات فى الأسبوع الماضى، لفتت نظرى كلمات مهمة صدرت من بعض النواب بالشيوخ، ومنهم مثلا النائبة سها سعيد التى قالت ما معناه: «لن يتغير أى شىء ولو أصدرنا عشرات القوانين، طالما ظل أداء الجهاز التنفذى على حاله».
نعلم أن مجلس النواب أصدر قانونين للتصالح فى مخالفات البناء الأول رقم ١٧ لسنة ٢٠١٩ والثانى رقم ١ لسنة ٢٠٢٠. ونعلم أيضا أن القانونين لم يحلا المشكلة، فلماذا حدث كل ذلك؟!
فى هذا الصدد أظن أنه من الحكمة أن تدرك الحكومة أنها لم تدرس الظاهرة جيدا قبل أن تصدر القانونين، لأنها لو فعلت ذلك، لربما راعت كل جوانب المشكلة ولم تضطر إلى تقديم قانون جديد هذه الأيام.
هل نلوم البرلمان لأنه أصدر قانونين لم يحققا الغرض منهما؟
أظن أن الإجابة هى لا إلى حد ما؛ لأن مهمة مجلس الشيوخ بوضوح هى دراسة القانون جيدا ومناقشته وإصداره كما قال المستشار عبدالوهاب عبدالرزاق رئيس المجلس، ثم يذهب القانون إلى مجلس النواب لإصداره ليصبح ملزما.
هذا هو دور البرلمان، لكن هناك وظيفة أساسية لمجلس النواب، وهى مراقبة أداء الحكومة والجهاز التنفيذى. وحينما يحدث قصور أو إهمال أو تراخٍ فلابد أن يستعمل مجلس النواب أدواته الرقابية ليجعل ما يصدره من قوانين فاعلا.
لكن ظنى أن المسئولية الكبرى تقع على عاتق الحكومة، وبالأخص على وزارة التنمية المحلية.
أعرف وأدرك تماما أن هذه المشكلة ليس سببها الحكومة الحالية أو حتى التى قبلها ولكنها بسبب تراكم سياسات ربما تعود إلى أربعين أو خمسين عاما مضت حينما حصل التواطؤ الكبير الذى سمح للعشوائيات أن تتغلغل وللمحليات أن تفسد بهذا الشكل الكارثى، وبالتالى وصلنا إلى مرحلة صار فيها تطبيق القانون العادى على المخالفين لا يصبح الحل الأمثل والناجح، بعد أن استقرت المخالفات لسنوات طويلة.
أعذر الحكومة فى أنها وجدت نفسها بين نارين، نار تطبيق القانون على المخالفين وتحصيل حقوق الدولة التى تم انتهاكها، ونار الأزمات الاجتماعية والأمنية والسياسية التى قد تنتج عن تطبيق هذا القانون، وتلك هى بالضبط المعضلة التى واجهت الحكومة منذ إقرارها القانون رقم ١٧ لسنة ٢٠١٩، وقتها كان الحسم هو العنوان الرئيسى للقضاء على المخالفات وبدء صفحة جديدة يكون شعارها: «لا مخالفات بعد اليوم».
القانون الجديد حقق علاجا جزئيا للمشكلة حينما تقدم بعض المخالفين للتصالح وتسديد ما للدولة من حقوق، لكن كثيرين لم يتقدموا، وهكذا صدر التعديل الجديد فى أوائل عام ٢٠٢٠، وبدوره ساهم فى حل جزء آخر من المشكلة، لكنه لم يستطع أن يقضى على جذورها لأن بعض المخالفين، ومعظمهم من الفقراء وذوى الدخول المحدودة، رفضوا التصالح ولسان حالهم يقول: «نحن لا نملك أصلا شيئا ندفعه».
الحكومة خفضت قيمة المخالفات أكثر من مرة لدرجة أن متر المخالفات هبط إلى حوالى ٥٠ جنيها، ونشأت جمعيات خيرية وأهلية وشبه رسمية لسداد الغرامات على غير القادرين، لكن المشكلة لم تنتهِ تماما. ولذلك جاء التفكير فى القانون الجديد الذى أصدره مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء الماضى، والسؤال: ما الذى نحتاجه كى يصبح هذا القانون فاعلا على الأرض، ولا نحتاج إلى إصدار قانون جديد بعد ثلاث أو أربع سنوات؟! هل نحتاج إلى لائحة تنفيذية حقيقية تراعى الواقع، أم قانون جديد للإدارة المحلية، أم إلى ثقافة جديدة فى كل الجهاز التنفيذى أم إلى كل ما سبق مجتمعا؟!
الموضوع مهم للغاية ويحتاج نقاشا لاحقا فى أكثر من زاوية.