بقلم - عماد الدين حسين
السؤال الذى يسأله أغلب المصريين، وربما فى دول أخرى كثيرة فى العالم تتشابه مع ظروفنا هو: متى تنتهى الأزمة الاقتصادية الخانقة التى تضرب الجميع بعنف منذ حوالى عام؟
لو أن الأمر بالتمنيات فقط فكل الأمل أن تنتهى اليوم قبل الغد، لكن وبما أن المشاكل والأزمات الكبرى لا تحل بهذه الطريقة فقط، فإن الإجابة البسيطة هى أن الأزمة سوف تنحل عندما تختفى الأسباب التى أدت إليها. وبالتالى تصبح صيغة السؤال المعدلة هى: وهل هناك آمال باختفاء هذه الأسباب وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل بداية الأزمة مع الغزو الروسى لأوكرانيا فى 24 فبراير من العام الماضى؟
الإجابة النظرية الجاهزة هى نعم بشرط أن نزيد الإنتاج على حساب الاستهلاك، أو زيادة الصادرات وتقليل الواردات، لكن المشكلة أن تحقيق ذلك يحتاج إلى وقت وجهد ومال وموارد، والأهم تغيير ثقافة العمل والإصلاح الإدارى ومحاربة الفساد بلا هوادة، وبالتالى نعود إلى أصل السؤال الذى يردده كثيرون، وبعضهم لا يدرك أن مثل هذا النوع من الأسئلة أو المشاكل لا يحل بسهولة، لأنه نتاج أزمة عالمية كبرى، وليس فقط نتاج مشاكل أو قرارات حكومية داخلية.
حسب خبير اقتصادى ومستثمر فى نفس الوقت فإنه يقول الآتى: ليت الأزمة الاقتصادية التى نمر بها كانت بسبب سوء سياسات أو قرارات أو توجهات حكومية فقط، لأنه لو كان الأمر كذلك، وتم تغيير الحكومة بالكامل، أو إلغاء هذا القرار أو ذاك، لانتهى الأمر فورا، لكن الأزمة أكبر من ذلك بكثير.
قلت لهذا الخبير: لكن أنت تبرئ الحكومة بالكامل من هذه الأزمة، فى حين أن هناك انتقادات كثيرة لها من قبل مواطنين وخبراء بارزين يرون أن بعض سياساتها شابها الكثير من الأخطاء؟
هو يرد على ذلك بقوله: «لا أبرئ الحكومة بالكامل ولى تحفظات على بعض سياساتها، لكن ما أقوله بوضوح هو أن نسبة المكون أو السبب الخارجى فى الأزمة أكبر بكثير من السبب الداخلى.
بعبارة أخرى فإن الأسباب الداخلية لا تزيد على 10ــ 15٪ من الأزمة، فى حين أن الأسباب الخارجية هى الأساس. مضيفا: لكن أحمل الحكومات المتعاقبة مسئولية كبرى خصوصا فى عهد مبارك، حينما لم يتم بدء الإصلاح الاقتصادى بصورة تدريجية منذ عام 1981، لو فعلنا ذلك، وقمنا بزيادة سعر الوقود عشرة قروش أو عشرين قرشا كل عام، فربما ما شعرنا بالأزمة مثلما نشعر بها الآن. فحكومات مبارك المتعاقبة اشترت صمت الناس، لكن على حساب المستقبل.
يعود هذا الخبير ليقول: أحد أسباب الأزمة الأخيرة إننا فيما يتعلق باحتياجاتنا من العملة الصعبة، فقد اعتمدنا على الأموال الساخنة بنسبة كبيرة، وبالتالى حينما حدثت الأزمة العالمية وزادت أسعار الوقود والسلع الأساسية وتعطلت سلاسل الإمداد ووصل التضخم العالمى لمعدلات غير مسبوقة منذ 40 عاما، فإن لجوء الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى لرفع أسعار الفائدة لمعدلات غير مسبوقة أحد الأسباب الجوهرية للأزمة. والاقتصاد المصرى وكل اقتصاد يشبهه يدفع الثمن الحقيقى للأزمة، حينما انسحبت الأموال الساخنة فورا بحثا عن الفائدة المرتفعة فى أمريكا وأوروبا أو حتى خوفا من المجهول القادم.
إذن وفى ظل هذه الحالة، وما لم تحدث معجزة، فإن الأزمة للأسف الشديد فى مصر وغيرها سوف تطول، فالأموال الساخنة لن تعود بسهولة، وأزمة البنوك العالمية حاليا ستجعلها تتردد كثيرا فى منح قروض سهلة للدول والأفراد، حتى تحافظ على سيولة معقولة للمحافظة على ودائع عملائها. ثم إن الاستثمار الأجنبى أو حتى المحلى المباشر يواجه مشكلة ضخمة وهى ارتفاع تكلفة الاستثمار بسبب ارتفاع سعر الفائدة المرشح للارتفاع أكثر لمواجهة التضخم المتزايد، وبالتالى وحسب تعبير هذا الخبير الاقتصادى فإن الظروف الاقتصادية العالمية «منيلة بستين نيلة».
هذا هو الواقع من وجهة نظر هذا الخبير، وقد سألته سؤال مباشرا، وما هو الحل فى ظل هذه الصورة شديدة الصعوبة؟! الإجابة لاحقا إن شاء الله.