بقلم - عماد الدين حسين
أعرف مستثمرا مصريا لديه بعض الأعمال فى السودان الشقيق، وقبل أيام قليلة ونحن ندردش هاتفيا سألته عن أحوال العاملين فى مصنعه بالسودان، فقال إنه تم بحمد الله عودتهم سالمين إلى مصر بعد محاولات مضنية بفضل جهود الدولة المصرية.
وكان طبيعيا أن أسأله عن تأثير هذا الصراع على أعماله هناك، فحكى لى قصة موجزة سريعة يمكنها أن تلخص تأثيرات الأزمة السودانية على الاقتصاد المصرى.
هو قال إن العاملين المصريين فى هذا المصنع كانوا يتقاضون مرتبات شهرية حوالى ٢٧٠ ألف دولار، وإجمالى ما يحوله المصنع من مرتبات وأرباح يصل إلى مليون دولار شهريا.
السؤال كم عدد هذا النوع من الأعمال المصرية فى السودان، وحجم استثماراته والعائد الذى كان يوفره للاقتصاد المصرى من العملة الصعبة؟
لا أملك إجابة دقيقة لمثل هذه الأسئلة لكن التقديرات تذهب إلى أن الاستثمارات المصرية فى السودان قبل انفجار الأزمة كان يمكن أن توفر لمصر حوالى ٢٥٠ مليون دولار سنويا. وهو رقم إذا صح لكان مهما للغاية فى ظل الأزمة الصعبة التى يواجهها الاقتصاد المصرى خصوصا فى تدبير العملة الصعبة.
ولكى نعرف خطورة الأزمة السودانية وتأثيرها على الاقتصاد المصرى علينا أن ندرك أن المصنع الذى سيتوقف هناك، سيعود أفراده لمصر، وسيتحولون ربما إلى عاطلين أو يتقاسمون العمل والدخل مع زملائهم فى مصر، وبالتالى مزيد من الأزمة للاقتصاد المصرى.
ما سبق هو جانب صغير من الأضرار التى ستصيب الاقتصاد المصرى إذا استمرت الأزمة السودانية مشتعلة.
وأحد أهم التأثيرات على الاقتصاد المصرى هو أن السلع التى تتدفق على مصر من السودان، قد تتوقف أو تقل إلى حد كبير، خصوصا اللحوم، التى تمثل ركنا مهما فى الواردات المصرية من السودان، بحكم أنها جيدة وأقرب إلى مزاج المصريين، كما أن سعرها معقول إلى حد كبير، خصوصا فى ظل الأزمة الاقتصادية التى تعيشها مصر فى مجالات كثيرة منها ارتفاع أسعار اللحوم إلى أكثر من الضعف تقريبا.
كما أن السلع المصرية التى تدخل إلى السودان معرضة للتوقف إذا لم تكن قد توقفت بالفعل بسبب الظروف الأمنية.
وطبقا للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فقد سجّلت قيمة التجارة بين البلدين ارتفاعًا بنسبة 18.2٪ عام 2022، لتبلغ 1.434 مليار دولار مقابل 1.212 مليار دولار عام 2021. وبلغت صادرات مصر للسودان 929 مليون دولار، ووارادتها 504.5 مليون دولار. ويستحوذ السودان على 13.2٪ من التبادل التجارى بين مصر وأفريقيا.
ونقطة مهمة تتعلق بتأثيرات تدفق الأشقاء من السودان لمصر هربا من الأوضاع الأمنية شديدة الخطورة، وهذا التدفق من الناحية الاقتصادية له العديد من الوجوه. أولها أنه سيمثل عبئا كبيرا على البنية التحتية فى مصر التى تعانى من مشاكل كثيرة، وهو ما يعنى حاجة هذه البنية إلى المزيد من الاستثمارات حتى تستمر واقفة على قدميها، إضافة إلى أن أسعار السلع والخدمات فى مصر لا تزال منخفضة نسبيا مقارنة بمثيلتها فى السودان والعديد من الدول العربية الأخرى حتى بعد أن ارتفعت الأسعار فى مصر إلى معدلات قياسية، والدعم المقدم من الدولة المصرية للوقود هو الأعلى تقريبا فى المنطقة مقارنة بأسعاره مثلا فى فلسطين ولبنان والأردن وغالبية دول الخليج.
هناك بطبيعة الحال جانب إيجابى لهذا التدفق وهو أن هؤلاء الأشقاء سوف يتلقون تحويلات بالعمل الصعبة من أقاربهم سواء كانوا فى السودان أو فى خارجه، لكن السؤال: هل هذا العائد سيكون موازيا لما سيتحمله الاقتصاد المصرى من أعباء؟!
إجابة هذا السؤال تتوقف على العدد المتوقع لتدفق الأشقاء السودانيين إلى مصر فى المرحلة المقبلة والمعتقد أنهم حوالى ٦٠ ألفا، ونوعية هؤلاء المتدفقين وهل هم من الطبقات الغنية أم المتوسطة أم الفقيرة؟!
سؤال مهم: ما هو تأثير هذا التدفق للإخوة السودانيين على أسعار السلع والخدمات والعقارات فى مصر، وهل سيؤدى إلى مزيد من ارتفاعها خصوصا ايجارات الشقق وتمليكها أم العكس، وهل سيؤثر على سوق فرص العمل المتأزم، أم لا، خصوصا إذا اضطر بعض الإخوة السودانيين إلى البحث عن عمل أو الالتحاق بالمدارس والجامعات، وهو جانب مهم أيضا ينبغى دراسته؟
أرجو أن يكون كلامى واضحا ومفهوما، وهو ضرورة أن نرحب بالإخوة السودانيين فى بلدنا ونقدم لهم كل أنواع الدعم والمساندة، وفى نفس الوقت ندرس تأثيرات تدفقهم بصورة تفصيلية وشاملة ودقيقة من جميع الجوانب، حتى نعظم المكاسب لهم ولنا، ونلغى أو نقلل من السلبيات لنا ولهم.