بقلم - عماد الدين حسين
من الواضح ــ للأسف الشديد ــ أن هناك قوى مختلفة داخل السودان الشقيق، وخارجه تسعى بدأب شديد لاختلاق أزمة مع مصر على خلفية مباراة فريقى الأهلى والهلال السودانى فى بطولة أفريقيا للأندية أبطال الدورى، والتى انتهت مساء السبت الماضى فى ستاد القاهرة بفوز الأهلى بثلاثة أهداف نظيفة.
النقطة الجوهرية التى تستخدمها إدارة الهلال أن جماهير الأهلى هتفت هتافات عنصرية ضد الهلال، وضد السودان قائلين: «العبيد أهم».
وكتبت بالأمس أننى سألت العديد من الزملاء الذين حضروا المباراة سؤالا واضحا: «هل سمعتم هذا الهتاف البغيض بالفعل؟» وجميعهم، ومنهم زملكاوية أقسموا بالله أنهم لم يسمعوا ذلك بالمرة، وأن الذى حدث أن إداريا بفريق الهلال استفز الجمهور فهتفوا ضده «العبيط أهه»، ولم يتلفظوا أبدا بلفظ العبيد. وبالطبع هناك فارق ضخم بين العبيط والعبيد.
قبل مباراة السبت كتبت على صفحتى بالفيسبوك أحذر من محاولات قلة فى مصر والسودان تحاول إشعال أزمة، على غرار ما حدث بعد مباراة مصر والجزائر فى أم درمان فى نوفمبر 2009، ودفعنا جميعا كعرب ثمنا فادحا لها. وكنت أظن أن مباراة السبت مرت بسلام باستثناء بعض المناوشات والمناكفات الطبيعية بين جمهور الكرة، لكن لم أتصور أن إدارة الهلال ستحول الأمر إلى أزمة بين بلدين عنوانها «هتافات المصريين العنصرية ضدنا» مستدعية ظنونًا وشكوكًا وإحنًا وأرباع حقائق لها سياقها التاريخى، وكنا نظن أنها انتهت.
بيان الهلال يقول إن جمهور الأهلى هو الذى غذى هذه الأحداث بالانحدار إلى الإسفاف وإعلاء الخطاب العنصرى البغيض وممارسة خطاب الكراهية والاستعلاء الوهمى بغية تحويل الملعب إلى ساحة حرب، وأن الجمهور انحدر إلى الدرك الأسفل من العنصرية ليصف لاعبى الهلال وإدارتهم وجماهير الشعب السودانى صناع الحضارات بالعبيد.
أخطر ما فى البيان أنه يقول إن ما حدث يتجاوز الهلال إلى الشعب السودانى، ويناشد البيان الدولة السودانية ومنظمات المجتمع المدنى أن تحذو حذوه لرد الاعتبار للشعب السودانى. وأننا فتحنا قنوات الاتصال مع الاتحاد الإفريقى لتقديم شكوى يعكف على صياغتها خبير قانونى ضليع ومن فطاحل خبراء القوانين الرياضية.
ويبلغ البيان درجة خطيرة من التصعيد حينما يقول: «إن ما حدث لا يقف عند حد السودان، بل يشمل القارة الأفريقية بأكملها، وأن الهلال على تواصل مع الأندية الأفريقية المحترمة التى تشارك فى البطولات الأفريقية، وسيفيدها كتابة وعبر زيارات مكوكية وبلغاتها المختلفة برأى جمهور الأهلى العنصرى فى أفريقيا وأهلها وأنديتها»!
ويختم البيان بالقول: «نطمئن جمهور الهلال وجماهير السودان بأن علاقتنا الودية مع الأهلى لم تعد كما كانت، ولن يغمض لنا جفن حتى نسترد حق الهلال والشعب السودانى كاملا غير منقوص».
هذا هو ملخص لبيان الهلال الذى أراه فى منتهى الخطورة لأنه يحاول إشعال فتنة بحسن أو سوء نية مع مصر والمصريين، وليس فقط مع جمهور النادى الأهلى بل ويوسع الأمر.
هذا البيان خرج من نطاق المشاحنات والمكايدات الرياضية العادية إلى إشاعة روح الكراهية بين الشعبيين، بل واستعداء كل الأفارقة ضدنا، وذهبت إحدى السيدات السودانيات إلى مطالبة حكومتها بقطع العلاقات نهائيا مع مصر وتقويتها مع إثيوبيا!!
نتذكر أن النادى الأهلى لعب قبل ثلاثة أسابيع مباراة الذهاب مع الهلال فى أم درمان وانهزم بهدف، وقال إن لاعبيه تعرضوا لمضايقات واعتداءات كثيرة خصوصا ياسر إبراهيم، وقدم شكوى بالفعل للاتحاد الإفريقى. كنا نتمنى أن يرد الهلال بالمثل بدلا من ضرب صميم علاقات البلدين.
كنت أتصور أن التهييج مقصور فقط على قلة فى وسائل التواصل الاجتماعى السودانية، لكن بيان الهلال يؤكد أن الأمر أخطر كثيرا مما نظن واعتقد أننا نحتاج إلى تحركات عاجلة على أكثر من صعيد لاحتواء هذه الفتنة.
أعتقد أن النادى الأهلى مطالب بإصدار بيان يوضح حقيقة ما حدث، وكذلك كل المؤسسات والجهات المصرية ذات الصلة، وأن يتحرك المجتمع المدنى المصرى ويبعث برسالة إلى كل الأشقاء فى السودان خلاصتها: «نحن إخوة وأشقاء ويربطنا نيل واحد ومصير واحد، وعلينا ألا نسمح للغوغاء والجهلاء والمتربصين بإفساد علاقتنا».
واذا كانت الأندية الأفريقية التى واجهت الأندية المصرية خصوصا الأهلى والزمالك آلاف المباريات ولم تشكُ من هتافات عنصرية مصرية فهل من المنطقى أن تهتف جماهيرنا بعنصرية ضد الأشقاء فى السودان؟!! ثم أننا جميعا أفارقة، ومعظمنا من ذوى البشرة السمراء وعيوننا ليست زرقاء ولسنا من أصول تركية أو أوروبية!
كل التقدير والاحترام والمحبة والمودة للشعب السودانى الشقيق والعظيم.