بقلم - عماد الدين حسين
يوم الجمعة الماضى ألزمت محكمة العدل الدولية فى لاهاى إسرائيل باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع ارتكاب الإبادة الجماعية فى قطاع غزة. وأن هناك من الأدلة ما يدعم طلب جنوب إفريقيا لاتخاذ الإجراءات العاجلة لحماية الفلسطينيين.
قبل الحكم بأكثر من عشرة أيام، وتطبيقا لمقولة «وشهد شاهد من أهلها، قرأت واحدة من أفضل العبارات منذ بداية العدوان الإسرائيلى على غزة فى 7 أكتوبر الماضى، فى مقال كتبه بى مايكل الكاتب فى صحيفة «هاآرتس» الإسرئيلية يوم الأربعاء قبل الماضى، والعبارة هى: «لو أوصلنا جهاز كشف الكذب بالمحامين الإسرائيليين فى مقر محكمة العدل الدولية فى لاهاى لانهارت وانفجرت شبكة الكهرباء فى المدينة الهولندية»، فى إشارة صادقة وساخرة ومعبرة عن المستوى الهائل لكذب فريق الدفاع الإسرائيلى، أمام محكمة العدل الدولية.
يقول مايكل فى مقاله الشجاع: «ربما تكون جنوب إفريقيا اختارت رفع قضية ضد إسرائيل بتهمة، الإبادة الجماعية فى غزة، رغم صعوبة إثبات ذلك، لأن تلك هى الطريقة الوحيدة لإجبارها على المثول على وجه السرعة أمام محكمة العدل الدولية، على أمل أن تصدر بعض الأوامر المؤقتة ذات التأثير ضدها لأن «إسرائيل رأت فى تلك التهمة فرصتها للتركيز على محاولة لدحضها، وبالتالى تحويل النقاش عن جميع الفظائع الأخرى التى ترتكبها فى غزة.
ويضيف مايكل أن «هذا بالضبط ما حدث، عندما حطم المحامون الإسرائيليون كل الأرقام القياسية الممكنة فيما يتعلق بالدفع بالبراءة المزعومة.. فهم قالوا مثلا: «لقد أطلقنا النار فقط على الإرهابيين.. لقد حذرنا سكان غزة بالمنشورات. لقد حددنا لهم بالضبط أين يجب أن يذهبوا. ودمرنا الأحياء حتى يمكن تطهيرها وإعادة بنائها، وكأن الإرهابيين أقزام يختبئون خلف الأطفال أو مخنثون يختبئون خلف النساء أو مصابون بهشاشة العظام يختبئون وراء كبار السن والمرضى والأطباء والصحفيين وذوى الإعاقة»!!!.
يضيف: «لو تم توصيل جهاز كشف الكذب بأحد المحامين الإسرائيليين أثناء خطاباته لانهارت شبكة الكهرباء فى لاهاى، ولبقيت المدينة فى الظلام حتى يومنا هذا».
و«لحظ إسرائيل أيضا فقد اختارت جنوب إفريقيا لسبب غير واضح التركيز بشكل شبه كامل على ما يحدث فى غزة بدلا من الحديث عما يحدث فى جميع الأراضى المحتلة، غزة والضفة الغربية والقدس، لأن الأمر يتعلق بأمة واحدة يداس أفرادها تحت أحذية نفس المحتل».
من وجهة نظر هذا الكاتب ــ الذى ولد قبل زرع إسرائيل فى المنطقة بشهور قليلة عام 1948ــ أنه من دلائل الخبث والشر، أن إسرائيل أنكرت لسنوات وجود الشعب الفلسطينى، وبذلت جهودا حثيثة لإنكار وجوده فى الوعى العام والخطاب، وأصدرت قوانين لتشريع سرقة جميع ممتلكاته، حتى جعلت سرقة أراضيه عملا مقدسا، بل إن حياته صارت لعبة عادلة، لدرجة أنه أصبح بإمكان أى طفل يحمل مسدسا أن يطلق النار على الفلسطينى متى ما شاء، ويكفى أن يقول «شعرت بالتهديد» ليتمتع بالحصانة»!!.
يضيف مايكل فى مقاله بصحيفة هاآرتس ــ ذات التوجه اليسارى ــ بأن «حرية تنقل الفلسطينيين وحقهم فى تقرير المصير والدفاع عن النفس، كل هذا تم دهسه، وما زال يداس كل يوم، فنصف الشعب تقريبا فى قفص، والنصف الآخر يتعفن فى ظل دكتاتورية عسكرية وظروف معيشية تبدو وكأنها مصممة خصيصا لتثقل حياته وتدفعه للتوارى عن الأنظار».
واعتبر مايكل أنه «لو أن جنوب إفريقيا قد جادلت، على هذا المنوال، لاكتسب خطابها وزنا إضافيا، ولأوضحت حقيقة مهمة أنه لن ينعم أحد هنا بالسلام إلا إذا حصل كل واحد منا على أرضه الخاصة»، مبينا أن «العرض لم ينتهِ بعد، ففى 19 فبراير ستجتمع المحكمة مرة أخرى لتناقش إسرائيل، حيث طلبت منها الجمعية العامة للأمم المتحدة استشارة تتعلق «بالتبعات القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل فى الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية».
ما سبق هو ما كتبه بى مايكل ولقد حرصت على نشر معظم فقراته كما هى حتى تكون الصورة واضحة أمام القراء.
هو صوت إسرائيلى شجاع لكنه من سوء الحظ مثل نقطة فى بحر وسط غالبية من الكتاب والمحللين والمعلقين الإسرائيليين العنصريين والفاشيين، الذين يتعاملون مع الفلسطينيين عموما والمقاومين خصوصا باعتبارهم «حيوانات بشرية»، كما قال نصا وزير الدفاع الإسرائيلى يؤاف جالانت فى بداية العدوان على قطاع غزة وهى العبارة التى استندت إليها المحكمة فى حكمها أمس الأول.