بقلم - عماد الدين حسين
الحوار الوطنى قد يستمر بصور وصيغ جديدة حتى بعد أن ينهى المرحلة الأولى من القضايا المعروضة عليه، ويرفع التوصيات إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى.
ما سبق ليس معلومة مؤكدة ولكنه تخمين خصوصا بعد تصريحات الرئيس السيسى ظهر يوم السبت الماضى فى قرية سدس الأمراء بمركز ببا محافظة بنى سويف.
الرئيس قال يومها إنه يؤمن إيمانا صادقا بحيوية المجتمع المصرى بجميع مكوناته وبقدرات المصريين على إيجاد مساحات مشتركة تجمعهم وهو ما دفعه للدعوة إلى الحوار.
الرئيس يومها قال أيضا إن الحزمة الأولى من مخرجات الحوار الوطنى مشجعة على الاستمرار فيه، وإن استجابته كانت فورية ووجّه الحكومة بدراسة التوصيات ووضع آليات تنفيذها والبدء فى تفعيل هذه الآليات.
من المعلوم أن الرئيس السيسى هو من دعا للحوار الوطنى فى ٢٦ أبريل ٢٠٢٢، وهو الذى تعهد أكثر من مرة بدعم هذا الحوار وتنفيذ توصياته ومخرجاته، وهو الذى استجاب أكثر من مرة لمناشدات ونداءات مجلس أمناء الحوار بالإفراج عن محبوسى الرأى، أو استمرار الإشراف القضائى الكامل على الانتخابات.
وأظن أنه لولا هذا الدعم الكامل من الرئيس السيسى لكان الحوار قد تعرض لضربات قوية، وربما انتهى مبكرا.
ليس خافيا على أحد أن هناك قوى مختلفة تحاول إجهاض الحوار ولا تتمنى نجاحه، خصوصا جماعة الإخوان، لأن نجاحه ووصول أطرافه إلى قدر من التوافق السياسى، سيفسد خطتها فى تأجيج المزاج العام واستغلال المشاكل المختلفة لتحريض الناس على الفوضى والعنف والتمرد.
كما أن هناك قوى ومؤسسات فى مصر لا تستريح للحوار ظنا أنه قد يعيد إنتاج الحالة والظروف التى أدت إلى ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١. وقد تناقشت كثيرا مع بعض أصحاب وجهة النظر هذه، ومعظمهم ذوو نوايا حسنة ويخشون عودة الفوضى والانفلات الذى ساد فى مصر من يناير ٢٠١١ حتى ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
ثم إن هناك قوى ثالثة ترى أن الحوار الوطنى كان بطيئا جدا فى مستوى أدائه، وهؤلاء لا يدركون حجم الصعوبات والتحديات التى واجهت الحوار منذ انطلاقه وحتى هذه اللحظة.
وبرغم كل ما سبق فأظن أن الحوار الوطنى نجح فى قطع شوط كبير من مهمته، وأدى إلى وجود حالة مختلفة فى المشهد السياسى المصرى لم تكن موجودة منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وحتى ٢٦ أبريل ٢٠٢٢.
هذه الحالة هى التى جعلت غالبية القوى السياسية تجلس معا فى غرفة واحدة وتتجادل وتتناقش وتتفق وتختلف وتصل إلى تفاهمات للعديد من القضايا والمشاكل.
وأظن أنه لولا هذا الحوار لكان الشارع المصرى قد شهد العديد من الانفلاتات والسخونة والاضطراب خصوصا بعد الأزمة الاقتصادية الخانقة التى نعانى منها منذ وباء كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية ومشكلة التضخم التى ضربت العالم كله، لكن أثرها كان واضحا جدا فى مصر، حتى أكثر من أوكرانيا وروسيا، بسبب اعتمادنا بالأساس على الأموال الساخنة كمورد رئيسى للعملات الصعبة.
هل معنى كلامى السابق أن كل المشاكل قد انتهت بسبب الحوار الوطنى؟
الإجابة هى قطعا لا، فالأزمة الاقتصادية ما تزال خانقة وتضغط على الجميع، والمجال العام لم ينفتح كما يتمنى كثيرون والتحديات والمشاكل كثيرة جدا.
لكن ما أقصده أن الحوار الوطنى جعل هناك إمكانية للتناقش حول كل القضايا. وأوجد جسرا مهما بين الدولة والقوى السياسية المختلفة خصوصا المعارضة، وهو ما قاد إلى العديد من النتائج أهمها إمكانية الوصول إلى مساحات مشتركة من التفاهم، وفصل المعارضة الوطنية عن القوى الظلامية.
السؤال الذى سيطرح نفسه بعد نهاية المرحلة الأولى من الحوار ورفع كامل التوصيات إلى الرئيس هو: كيف يمكن أن نضمن استمرار الحوار بصورة مؤسسية وفاعلة لكى يكون الأداة التى تتولى مهمة إطفاء الحرائق الكثيرة المشتعلة فى أكثر من قطاع؟