بقلم - عماد الدين حسين
هناك العديد من المبادرات التى تطرحها الحكومة والبنك المركزى لاستقطاب المدخرات الدولارية للمصريين فى الداخل والخارج، إضافة للمستثمرين الأجانب، لكن هناك ما يشبه الإجماع بأنه من المهم أولا أن تستعيد الحكومة أكبر قدر من ثقة المصريين فيما يتعلق بالسياسات المالية والاقتصادية حتى تحقق هدفها.
أحد المصادر الأساسية للعملة الصعبة فى البلاد هى تحويلات المصريين بالخارج وللأسف فقد انخفضت خلال أول ٩ أشهر من العام المالى الماضى بنسبة ٢٦٫١٪ إلى ١٧٫٥ مليار دولار، علما بأنها سجلت حوالى ٣٢ مليار دولار فى العام المالى السابق له. والسبب الأساسى كما نقلت قناة CNBC عربية يوم الأحد الماضى عن أحد تقارير البنك المركزى هو حالة الترقب لدى المصريين بالخارج لتحركات سعر الصرف لتحقيق أكبر مكاسب.
بعض المصريين لم يعد يحول أمواله بالعملة الصعبة عبر القنوات والبنوك الرسمية، والسبب هو ازدواجية سعر الصرف ووجود أسعار أعلى فى السوق السوداء.
الحكومة فكرت فى العديد من المبادرات، والمبادرة الأساسية التى مثلت ضربة البداية كانت تيسير استيراد السيارات للمصريين المقيمين فى الخارج وجوهرها إعفاء السيارات المستوردة من ٧٠٪ من الرسوم الجمركية مقابل وديعة بالعملة الأجنبية يتم استيرادها بعد خمس سنوات بالجنيه المصرى. والتقديرات أن هذه المبادرة نجحت فى جمع مليار دولار حتى الآن، وصل منها نصف المبلغ تقريبا، كما جاء على فضائية CNBC عربية نقلا عن مسئولين بوزارة الهجرة وشئون المصريين بالخارج.
المبادرة الثانية كانت ضبط أسواق الذهب التى شهدت ارتفاعات متتالية، وصار مسموحا للمصريين باستيراد الذهب مجانا إلى حد كبير أو برسوم قليلة جدا، وقد ساهم هذا القرار فى وقف الارتفاعات القياسية للمعدن الأصفر التى تجاوزت حتى الأسعار العالمية.
مبادرة أخرى ثالثة تتضمن تأسيس شركة لاستثمارات المصريين بالخارج برأسمال يبلغ مليار دولار للاستفادة من هذه المدخرات فى ظل إحجام الأجانب عن ضخ أموال جديدة فى الأسواق المصرية.
مبادرة رابعة طرحتها وزارة الإسكان فى نوفمبر الماضى وتتضمن طرح أراضى جديدة للمصريين المقيمين بالخارج بحيث يتم سدادها بالدولار، وإعفاؤهم من ١٠٪ من قيمة الأرض فى حال السداد دفعة واحدة، وبشرط أن يكون تحويل الأموال من الخارج.
مبادرة خامسة هى «معاش بكرة» الدولارية لتوفير خطط تقاعد للعاملين فى الخارج، وتباع الوثيقة للأشخاص الذين تبدأ أعمارهم من سن ١٨ وحتى ٥٩ عاما، بسعر ٥٠٠ دولار كحد أدنى وعشرة آلاف دولار كحد أقصى، لكل وثيقة خلال العام، ويمكن إضافة أقساط بحد أدنى ٥٠ دولارا لكل قسط بغرض زيادة المعاش المستحق.
مبادرة سادسة موجهة لأبناء العاملين المقيمين فى الخارج وتتضمن تسوية المواقف التجنيدية لهم مقابل دفع ٥ آلاف دولار، أو يورو لأى شخص يبلغ عمره من ١٩ عام حتى ٣٠ عاما طالما أنه يدرس فى الخارج. وقد واجهت هذه المبادرة بعض الانتقادات، سواء للمطالبين بخفض المبلغ إلى ٣ آلاف دولار، أو باعتبار أن الذى سوف يستفيد منها أولئك الذين يملكون المال فقط، لكن هذه المبادرة مدتها شهر فقط ابتداء من ١٤ أغسطس الحالى، ولن يسمح بتجديد جوازات السفر للمقيمين فى الخارج إلا بعد تسوية مواقفهم التجنيدية.
مبادرة أخيرة، تمثلت فى إصدار بنكى الأهلى ومصر شهادات إدخارية دولارية، منها ما هو مستحق بعائد سنوى ٧٪ وأخرى بعائد ٩٪، ويصرف مقدما لمدة ٣ سنوات، وهو أعلى عائد دولارى فى البنوك المصرية.
السؤال: هل نجحت هذه المبادرات أم تعثرت؟
يصعب رصد إجابة دقيقة لهذا السؤال المهم إلا بعد مضى وقت معلوم، يمكن بعده الإجابة الصادقة. لكن المؤكد أن قدرة الحكومة المصرية على كسب ثقة الناس أو غالبيتهم خصوصا أوئلك الذين تضرروا من تداعيات الأزمة الاقتصادية، هى عامل أساسى فى المضى قدما فى عملية معالجة آثار الأزمة الاقتصادية التى ضربت البلاد، وكذلك استئناف عملية الإصلاح الاقتصادى التى بدأت فى نوفمبر ٢٠١٦ وتعثرت كثيرا بسبب الأزمة الأخيرة.