بقلم - عماد الدين حسين
مرة أخرى أكرر أن أحد أهم ما كشفت عنه القمة الدولية التى عقدت يوم السبت الماضى فى العاصمة الإدارية لمناقشة العدوان الإسرائيلى على غزة منذ يوم ٧ أكتوبر الماضى، هو أنها جعلت المواقف علنية وظاهرة ومفضوحة خصوصا لبعض الحكومات الغربية.
بمعنى أوضح أنه من الآن وصاعدا فلا يمكن لنا أن نسمح للحكومات الأوروبية المنحازة أن تحدثنا عن دفاعها عن حقوق الإنسان، أو المساواة أو العدالة أو القيم الإنسانية.
ما فعلته غالبية الحكومات الغربية أنها انحازت بالكلية إلى الموقف الإسرائيلى الظالم والفاجر وبذلت كل الجهود من أجل تبرير العدوان، بل ودعمه بكل الطرق خصوصا حينما استخدمت حق الفيتو ضد مشروعى قرارين روسى وبرازيلى فى مجلس الأمن لوقف العدوان ضد المدنيين وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية.
المتابع الجيد لتطورات القضية الفلسطينية منذ عام ١٩٤٨ وحتى الآن، سوف يكتشف أن جوهر المواقف لغالبية الحكومات الأوروبية الكبرى لم يتغير من الانحياز لإسرائيل واحتلالها للأرض العربية المحتلة. ولولا هذا الانحياز والدعم المكشوفين ما استمر وجود إسرائيل فى المنطقة بضع سنوات.
ولعل الكلمة المهمة والمفتاحية التى لم ينتبه لها كثيرون قالها الرئيس الأمريكى جو بايدن قبل أيام وهى «أن إسرائيل إن لم تكن موجودة لاخترعناها».
هذا يعنى أن هذا الكيان الاستيطانى العنصرى يلعب دورا وظيفيا مهما للغرب فى المنطقة، ويذكرنا بما قاله نابليون بونابرت حينما جاء للمنطقة غازيا عام ١٧٩٨، كاشفا عن رغبة أوروبا فى خلق كيان يشق ويفصل شرق العالم العربى عن غربه.
من المهم جدا أن تصل حقيقة المواقف الأوروبية إلى الأجيال العربية الجديدة حتى لا تصدق أن القارة العجوز «جنة الله فى الأرض»، ومن المهم أن تعرف الأجيال الجديدة الحقيقة لكى تصدر أحكاما صحيحة، وتدرك أن ما تسمعه من كلمات وتعبيرات ومواقف شىء، والواقع على الأرض شىء مختلف تماما.
وتفصيلا فإن غالبية الدول الغربية تعطينا محاضرات كل يوم عن حقوق الإنسان وضرورة احترامها، فى حين أنها تنتهك هذه الحقوق كل يوم فيما خص الشعب الفلسطينى وغالبية الشعوب العربية وكذلك القارة الأفريقية، بل إنها دعمت على مر التاريخ الحديث وما تزال غالبية المستبدين فى كل القارات، والأكثر وضوحا أنها أحد الأسباب الأساسية لكل ما يعانيه العالم الثالث من فقر وجهل وتخلف نتيجة حقبة الاستعمار الأوروبى البغيض ونهب ثرواته، تارة بالاستعمار المباشر، وتارة بالاستعمار غير المباشر، المستمر فى العديد من دول القارة الأفريقية حتى اليوم. هل معنى كلامى أن حقوق الإنسان كاملة وعلى ما يرام فى البلاد العربية، وأنها منتهكة فى أوروبا وأمريكا؟!
الإجابة هى لا قطعا، وأوروبا وأمريكا عندها ديمقراطية وتعددية وتقدم تكنولوجى فيما خص سكانها، عكس ما هو موجود فى غالبية بلدان العالم الثالث ولكن ما أقصده أنه لم يعد من حق غالبية البلدان الغربية بعد كل مواقفها الأخيرة أن تعظنا فيما يتعلق بحقوق الإنسان، خصوصا أنها تدعم إسرائيل فى أبشع انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطينى واللبنانى والسورى.
والأخطر أنه فيما يتعلق بمصر فإننا لم نسمع إدانة أمريكية أو أوروبية صريحة أعلنتها العديد من المصادر الإسرائيلية الرسمية على إجبار سكان غزة على ترك أرضهم والتوجه للإقامة فى سيناء، بحيث يتم تصفية القضية الفلسطينية تماما، مع تنفيذ مخطط «الوطن البديل» أيضا بطرد فلسطينيى الضفة الغربية إلى الأردن.
حينما تصمت العواصم الأوروبية خصوصا الكبرى على مثل هذه التصريحات الإسرائيلية الوقحة فهى عمليا شريك أساسى فى هذا المخطط، وبالتالى وجب علينا جميعا أن نعرف العدو من الصديق.
هذه هى الحقيقة العارية التى كشفتها تداعيات عملية «طوفان الأقصى»، بعد صبيحة السابع من أكتوبر وأعقبتها فى نفس اليوم عملية «السيوف الحديدية» الإسرائيلية ضد الفلسطينيين المستمرة حتى الآن.
لكن كل ما سبق لا يجعلنا نخلط بين مواقف بعض الحكومات الأوروبية والأمريكية وبين المواقف المحترمة والأخلاقية لقطاعات شعبية كثيرة فى هذه المجتمعات انحازت للحق والعدل وخرجت فى مظاهرات احتجاجية كثيرة تنديدا بالمجازر الإسرائيلية فى غزة، وهذا موضوع يستحق نقاشا موسعا.