بقلم - عماد الدين حسين
فى علم الجريمة هناك قاعدة ثابتة اسمها، ابحث عن المستفيد، وإذا طبقنا هذه القاعدة على «المسرحية الهابطة» الخاصة بما قيل إنه تفجير متزامن لحافلات فى تل أبيب، فإن المستفيد الوحيد هو رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة، حتى لو كان التنفيذ بأيدٍ فلسطينية. وصار واضحا أن إسرائيل تتبنى سياسة التصعيد كاستراتيجية سياسية وعسكرية طويلة الأمد.
وللموضوعية فهناك رأى يقول إن إسرائيل ليست فى حاجة إلى مسرحيات وعمليات تليفزيونية؛ لأنها تمارس عدوانها فى غزة والضفة، من دون الحاجة لهذه العمليات.
طبقا للبيانات الإسرائيلية فإن عبوات ناسفة انفجرت فى ثلاث حافلات فارغة من الركاب فى منطقتى حولون وبات يام غرب تل أبيب، وأن عبوات ناسفة لم تنفجر فى حافلتين أخريين من دون إصابة أى شخص..
المصادر الأمنية الإسرائيلية قالت إن الانفجارات كانت يفترض أن تنفجر فى توقيت متزامن فى التاسعة صباح الجمعة، وليس التاسعة مساء الخميس الماضى كما حدث.
والغريب أن إسرائيل سارعت للقول إن العبوات يرجح أنها صنعت فى الضفة الغربية، وأن إحداها كتب عليها بالعربية: انتقاما لما حدث فى مخيم طولكرم».
لكن المفاجأة أن صحيفة هاآرتس قالت إن السلطات تتكتم على هويات ٣ إسرائيليين يهود تم اعتقالهم بتهمة المشاركة فى العملية.
النتيجة العملية أن نتنياهو أمر «بتنفيذ عملية مكثفة ضد مراكز الإرهاب فى الضفة الغربية».
وزيرة النقل ميرى ريجيف أوقفت جميع أنواع المواصلات، خصوصا الحافلات وقطارات السكة الحديد، والقطارات الخفيفة لساعات حتى يتم بث الرعب فى قلوب الإسرائيليين وتهيئتهم لما هو قادم من انتقال وكذلك تهيئة الرأى العام العالمى، خصوصا أمريكا التى لا تحتاج لذلك.
أظن أن إسرائيل لن تفلح فى تقديم مشهد محبوك بصورة مقنعة كما فعلت فى الماضى.
فى المرة الأخيرة لم نجد منفذين، ولم نجد انفجارات جادة، والحافلات فارغة من الركاب، ومن تم القبض عليهم ثلاثة يهود مجهولين، فى حين أنه فى أى عملية ولو كانت طعنا تقتل أجهزة الأمن المنفذ على الفور وتقبض على كل أسرته وأصحابه وتهدم منزله.
ظنى أن هذه العملية لها عدة أسباب أو أهداف يكاد يتفق عليها العديد من المراقبين.
الهدف الأول هو عملية مفتعلة للتضليل، خصوصا سرعة الاستنتاج الإسرائيلى بأنها على خلفية قومية وهدفها إقناع بقية الرأى العام الإسرائيلى المتردد وإدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وسائر السذج فى العالم باستمرار إسرائيل فى عملية التدمير المنظم والممنهج للضفة الغربية بعد أن تم تدمير معظم قطاع غزة وقتل وإصابة ١٥٠ ألف شخص فى عدوان استمر ١٥ شهرا.
ثانيا: وبتطبيق نظرية «ابحث عن المستفيد» فإن نتنياهو وحكومته يحاولون تعطيل الهدنة الهشة والعودة للقتال أو على الأقل التهرب وتمديد المرحلة الأولى وعدم الذهاب إلى المرحلة الثانية التى تقود إلى وقف شامل لإطلاق النار وانسحاب إسرائيلى كامل من القطاع، وبالتالى تحقيق الهدف الأساسى فى غزة وهو نزع سلاح حماس وإبعاد قادتها ونلاحظ أنه بعدها بساعات تم إرجاء إطلاق المسجونين الفلسطينيين.
ثالثا: زيادة العدوان على الضفة الغربية، واستدراج الفلسطينيين إلى عمليات مقاومة، تقود بدورها إلى مزيد من العدوان لتدمير المزيد من البيوت، خصوصا فى المخيمات حتى يتحقق الهدف الإسرائيلى الجوهرى وهو تدمير الضفة وتسهيل ضمها.
رابعا: تضخيم القدرات الفلسطينية وتصويرها بأنها تهدد الدولة الإسرائيلية النووية حتى يسهل شن العدوان على الضفة أو استئناف العدوان على غزة!
خامسا: إقالة رؤساء الأجهزة الأمنية، خصوصا رئيس الشاباك رونيه بار والموساد ناحوم برنياع وكل قادة الجيش الذين لا يدينون له بالولاء، بحجة أنهم فشلوا فى منع التفجيرات. وهنا لا يمكن استبعاد الصراعات الداخلية فى المجتمع الإسرائيلى سياسيا، أو حتى الانقسامات داخل الجيش الإسرائيلى علما بأن العديد من قادته يرون أن نتنياهو واليمين المتطرف يورطون الجيش فى صراع لا ينتهى.
العالم انشغل بغزة منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، واستغل الإسرائيليون ذلك وقتلوا ما لا يقل عن ٨٩٧ فلسطينيا، معظمهم مدنيون مقابل مقتل ٣٢ إسرائيليا بينهم جنود فى نفس الفترة، والأخطر تجريف مساحات واسعة من مخيمات طولكرم وجنين ونور شمس وهدم وإحراق مئات المنازل ومصادرة أراض وإجبار عشرات الآلاف من الفلسطينيين على النزوح.
مرة أخرى، الخطر الأكبر ليس على غزة رغم تدميرها ولكن على الضفة، فالأطماع الإسرائيلية تتركز عليها. ولذلك على الفلسطينيين ألا يوفروا أى فرصة أو مبرر لهذا الكيان العنصرى الفاشى كى ينفذ مخططه بسهولة.