بقلم - عماد الدين حسين
هل يجوز لبعض أعضاء مجلس النواب أن يطالبوا بإصدار قوانين لوقف الاقتراض الخارجى أو حتى تحديد سقف للدين، فى حين أنهم هم أنفسهم الذين يوافقون على أى اتفاقيات قروض تتقدم بها الحكومة إلى البرلمان؟!.
هذا السؤال سمعته يتردد فى أروقة الحوار الوطنى خلال مناقشته لقضية الديون يوم الثلاثاء قبل الماضى.
الذى حدث أن أحد أعضاء مجلس النواب ــ ويشغل فى نفس الوقت منصبا فى إحدى اللجان الاقتصادية المهمة داخل المجلس مسئول عن مناقشة اتفاقيات القروض ــ طالب خلال كلمته فى الحوار الوطنى بضرورة وقف الاستدانة وأن يصدر مجلس النواب البرلمان قرارا بذلك، أو على الأقل تحديد سقف للديون.
للموضوعية هذا الأمر ليس قاصرا على هذا العضو، لكن بعض النواب الآخرين الذين تحدثوا فى هذا الموضوع، كرروا نفس الطلب، وكان منطقيا أن بعض الجالسين على المنصة فاجأوا أصحاب هذا الرأى برد أدهشهم.
يومها كان هناك على المنصة المستشار محمود فوزى رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطنى، وعبدالفتاح الجبالى المقرر العام المساعد للمحور الاقتصادى فى الحوار الوطنى والكاتب المتخصص فى الشئون الاقتصادية، وكذلك طلعت خليل مقرر لجنة «الدين العام»، إضافة إلى آخرين من أعضاء مجلس أمناء الحوار الوطنى.
الرد البسيط والصادم من بعض الحاضرين للنواب هو الآتى: إذا كنتم تطالبون بإصدار قانون لوقف الاستدانة أو حتى تحديد سقف للديون، فلماذا توافقون على كل القروض التى تقدمها الحكومة للبرلمان؟ أليس من المنطقى أن ترفضوا الموافقة على هذه الاتفاقيات التى تجعل الديون تتزايد إذا كان هذا هو رأيكم؟!
هذا النقاش فى هذه القضية لفت نظرى إلى ظاهرة غريبة فى الحياة السياسية المصرية، ليست وليدة اليوم أو حتى السنوات الأخيرة، بل صارت متأصلة منذ عام ١٩٥٢.
المنطقى والطبيعى أنه حينما يترسخ أى شخص للبرلمان سواء كان فى النظام الفردى أو القوائم الحزبية، فإنه يقدم نفسه للناخبين والرأى العام باعتباره يتبنى فكرا محددا وواضحا ومعلنا، والمفترض أيضا أن الناخبين يختارونه طبقا لهذا البرنامج، والمفترض ثالثا أنه يظل مؤمنا ومدافعا عن هذا البرنامج طوال فترة عضويته فى البرلمان.
لكن السؤال الغريب هو: لماذا يترشح البعض ببرنامج سياسى محدد، ثم لا يطبقونه داخل المجلس، والأغرب يتحدثون فى وسائل الإعلام بمنطق يخالف طريقة تصويتهم فى القضايا المختلفة تحت القبة؟!.
سمعت أحد النواب يقول فى إجابته عن مثل هذا النوع من الأسئلة: نعم أنا ضد زيادة الديون، لكن الذى يحدث أن بعض الوزراء يأتون إلى المجلس ويشرحون الظروف الصعبة التى تدفعنا للاستدانة وبالتالى نوافق على هذه القروض.
هذا الرد يمكن أن يكون منطقيا لكنه يحتاج إلى بعض التوضيح.
أما أن النائب مقتنع بما تقوله الحكومة وهى تبرر الاقتراض، وبالتالى فالمفترض فى هذه الحالة أن يكون شجاعا ويدافع عن سياسة الحكومة فى الاستدانة طالما أنه صوّت بالموافقة على القرض، أو يكون رافضا لفكرة الاستدانة من الأساس، وفى هذه الحالة يكون من حقه أن يخرج للرأى العام ويرفض سياسة التوسع فى الاستدانة، لكن أن يوافق ويصوّت على القروض، ويخرج للناس مطالبا الحكومة بوقف الاقتراض، فهذا أمر غريب ويتنافى مع كل التقاليد النيابية والسياسية بل والأخلاقية أيضا.
جزء من أبجديات العمل السياسى والبرلمانى أن يتسق سلوك النائب وأداءه وتصويته وآراءه مع السياسة التى يؤمن بها، وليس عيبا أن يغير آراءه كما يشاء، لكن بشرط أن يكون ذلك علنيا، ويتم شرحه للناس، لكن ليس مقبولا أن يصوّت النائب لصالح قضية أو سياسة معينة ثم يقوم بانتقادها لاحقا.
أدرك أن الظروف التى مرت بها مصر فى السنوات وربما العقود الأخيرة، قد تجعل من الكلام السابق أقرب إلى المثالية الساذجة، لأن الصورة معقدة ومتشابكة إلى حد كبير مما يعطى بعض المبررات لبعض النواب الذين تحدثت عنهم.
لكن أليس مطلوبا أن يبذل كل نائب جهده ليكون انتماؤه السياسى وتصويته متسقا مع أفكاره قدر الإمكان، وإذا كانت متصادمة فعليه البحث عن حزب آخر يناسبه؟!