بقلم - عماد الدين حسين
هل امتلاك القوة الناعمة يغنى عن ضرورة امتلاك القوة الصلبة أو الخشنة؟
أحد أفضل الإجابات التى سمعتها ردًا على هذا السؤال، جاء كالتالى: لا تنسوا أن القوة الصلبة وليست الناعمة هى التى دمرت غزة وجنوب لبنان، وأسقطت نظام الحكم فى سوريا، وهى القوة التى تدمر فى الضفة الغربية اليوم، وربما فى العراق واليمن وإيران غدًا.
لا يجادل أحد فى ضرورة وأهمية امتلاك القوة الناعمة بكل أنواعها وتعريفاتها ومظاهرها وتجلياتها.
فى عام ١٩٩٠ صاغ المفكر الأمريكى جوزف صموئيل ناى الابن، العميد السابق لمدرسة جون كيندى فى جامعة هارفارد مصطلح القوة الناعمة لوصف القدرة على الجذب والضم دون إكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع، والآن يتم استخدام المصطلح للتأثير على الرأى العام وتغييره ومنذ ذلك الوقت صار المصطلح يستخدم على نطاق واسع وعلى لسان غالبية المحللين، لدرجة أن البعض بات يعتقد أن القوة الناعمة يمكن أن تكون بديلًا عن القوة الخشبة أو الصلبة أو القوة التقليدية.
نعم يمكن للاعب كرة أو فنان أو رسام أو كاتب أو أديب أو ناشر أو ممثل أن يمثل قوة ناعمة كبيرة لبلده ومجتمعه، لكن هذا البلد يحتاج فى الأساس إلى قوة اقتصادية لكى يأكل ويشرب، ويحتاج إلى قوة عسكرية لكى يدافع عن نفسه.
من دخل غزة واحتلها ودمرها لم تكن القوة الناعمة الإسرائيلية، بل الصواريخ والقنابل الأمريكية الخارقة للأعماق، والمسيرات التى تصطاد البشر والحيوانات والإف ١٦ و٣٥ والجرافات الثقيلة التى جرفت أحياء بكاملها، ومن اغتال يحيى السنوار كانت طائرة مسيرة، ومن اغتال إسماعيل هنية كانت قنبلة أو صاروخًا فى مقر إقامته فى طهران، ولم تكن حضارة أمريكا أو إسرائيل.
من وجه ضربة صعبة جدًا إلى حزب الله لم يكن العلماء الإسرائيليون بل ترسانة الأسلحة الأمريكية التى انفتحت أمام إسرائيل لتغرف منها ما تشاء، وكان من بينها القنابل الضخمة جدًا التى اغتالت أمين عام حزب الله حسن نصر الله وعددًا كبيرًا من قادة الحزب وهم يتحصنون فى ملاجئ فى أدوار تحت الأرض فى بيروت الجنوبية.
لولا الأسلحة الأمريكية وخزائن الأموال التى انفتحت أمام إسرائيل، ما كان يمكنها أن تحقق ما حققته فى غزة ولبنان وطهران.
وبنفس المنطق فإن القوة الغاشمة التى دأبت على انتهاك سيادة سوريا منذ سنوات طويلة، ولم تجد من يتصدى لها، وهى السبب الأساسى فى إسقاط نظام بشار الأسد.
القوة الصلبة الإسرائيلية هى التى اغتالت قبل سنوات أبرز قادة حماس أمثال أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسى ويحيى عياش، وقبلهم معظم قادة منظمة التحرير، مثل صلاح خلف «أبوإياد» وخليل الوزير«أبوجهاد» بل تسميم ياسر عرفات.
القوة الصلبة الأمريكية هى التى قتلت قاسم سليمانى فى بغداد، وقتلت إسماعيل هنية ومحمد رضا زاهدى فى دمشق، وكذلك العديد من العلماء وقادة الحرس الثورى الإيرانى، من دون أن تجد الرد المماثل، وهى القوة الصلبة التى تستند إليها إسرائيل، وتقول إنها لن تنسحب من جنوب لبنان رغم الاتفاق الموقع منذ شهرين بوساطة وضمانات أمريكية، وهو ما قد يتكرر مع هدنة غزة الحالية.
نفس القوة الصلبة التى يهدد بها ترامب الآن كل من جريندلاند الدانماركية وبنما والمكسيك بل جارته كندا. وحينما كرر الصحفيون وطلبوا منه عليه أن ينفى أنه يقصد القوة العسكرية كان شديد الوضوح بأنه يقصد ذلك فعلًا.
ما المغزى من كل ما سبق؟
ببساطة إن العالم لا يعرف ولا يحترم إلا الأقوياء سواء كانوا يملكون القوة الصلبة العسكرية أو القوة الشاملة خصوصًا الاقتصادية التى يمكنها أن تجلب أو توفر الحماية، وإن كان ذلك ليس بصورة دائمة.
من المهم لنا كعرب أن نملك معظم أنواع القوة خصوصًا الصلبة والخشنة، علينا أن نمتلك الأسلحة شرط أن نستخدمها بصورة صحيحة، ولا نتركها للصدأ فى المخازن.
مرة أخرى لا يعنى كلامى التقليل من القوة الناعمة، فهى شديدة الأهمية.
وقبل كل شىء وبعده أن نمتلك الإرادة والرؤية الصحيحة، لنعرف عدونا من صديقنا. نحتاج إلى التماسك الذى يحمى دولنا الوطنية وأمتنا العربية من الخارج، ويطورها من الداخل.