بقلم - عماد الدين حسين
ما لم تحدث معجزة، فإن احتلال قوات العدوان الإسرائيلى لمعبر رفح ومحور فيلادليفيا فى مدينة رفح الفلسطينية قد يستمر طويلا.
.نعلم أن حركة حماس والمقاومة الفلسطينية وافقت مساء يوم الاثنين الماضى على العرض الذى قدمته مصر وقطر وبموافقة كاملة من الولايات المتحدة ممثلة بمدير المخابرات المركزية وليام بيرنز، وموافقة ضمنية مسبقة من إسرائيل بهدنة على ثلاث مراحل تقود إلى الإفراج عن الأسرى والمساجين وتمهد لبدايات تسوية، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فاجأ وتحدى الجميع وأرسل قواته بعدها بساعات لتحتل معبر رفح وترفع عليه العلم الإسرائيلى فى خطوة استفزازية ذات دلالات رمزية خطيرة.
والسؤال ما هو نوع المعجزة التى تدفع نتنياهو وقادة جيشه إلى مغادرة معبر رفح والعودة إلى قواعد ما قبل يوم الثلاثاء الماضى؟!
الإجابة هى أن يدرك نتنياهو وإسرائيل أن الثمن الذى سوف يدفعه من جراء الاستمرار فى السيطرة على رفح أكبر كثيرا مما كان يتوقعه.
والسؤال الثانى، وكيف يمكن أن يحدث ذلك؟! هناك عدة طرق لتحقيق ذلك على أرض الواقع.
الطريقة الأولى هى أن تبرهن الإدارة الأمريكية على صدق تصريحاتها المتكررة بأنها لن تقبل اجتياحا إسرائيليا كاملا لرفح، بل عملية محدودة ومحددة.
واشنطن خطت خطوة مهمة يوم الأربعاء الماضى للمرة الأولى منذ بدء العدوان فى 7 أكتوبر الماضى، حينما قررت وقف توريد بعض الأسلحة لإسرائيل.
الجديد والمهم فى الأمر، هو أن الخطوة كانت علنية ومقصودة، وجرى إعلانها من وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» ومن البيت الأبيض بهدف أن تصل الرسالة واضحة.
لكن السؤال هل هذه الخطوة كافية لإقناع إسرائيل بالانسحاب؟!
الأمر يتوقف على نوايا الإدارة الأمريكية الحقيقية، فإذا كانت جادة فعلا، فيمكنها أن تطلب من الجيش الإسرائيلى مغادرة المعبر فورا.
أما إذا كانت الخطوة مظهرية لإرضاء العرب وطلاب الجامعات الأمريكية فيمكن أن تطلب من إسرائيل فتح المعبر فورا لإدخال المساعدات، وهو ما طلبه الرئيس الأمريكى جو بايدن فعلا، لكن لا تطلب منها مغادرة المعبر، وبالتالى تستمر فى السيطرة عليه وإحكام الحصار الكامل على القطاع من كل الجهات مع استمرار دخول المساعدات لكن بتحكم إسرائيلى كامل.
هناك سيناريو آخر أن تضغط الولايات المتحدة على إسرائيل لقبول الهدنة التى قبلتها حماس، ولكن مع استمرار بقاء قواتها فى المعبر بحجة مراقبة الحدود والتحكم فى كل ما يدخل ويخرج من القطاع.
وهناك سيناريو رابع أن ترفض إسرائيل كل الضغوط الأمريكية الجادة منها والمظهرية وتستمر فى احتلال المعبر والبقاء هناك، حتى موعد الانتخابات الأمريكية فى نوفمبر المقبل رهانا على فوز دونالد ترامب وتغير كل قواعد اللعبة.
وأحد طرق تحقق المعجزة أيضا وجود موقف عربى ضاغط من الدول العربية ذات الثقل والتأثير خصوصا مصر والأردن ودول الخليج، بحيث يتم إرسال رسالة محددة مفادها أن الدول العربية ستعيد النظر فى مجمل العلاقات مع إسرائيل إذا استمرت سياستها التوسعية.
هناك موقف مصرى قوى وجاد فى هذا الصدد، لكنه يحتاج إلى إسناد عربى حقيقى وفاعل، وليس فقط بالتصريحات الإعلامية.
ما لم يحدث ضغط أمريكى وعربى فاعل، فإن نتنياهو سوف يستمر فى احتلال معبر رفح وتفكيك المقاومة بهدوء وبالتدريج، وبالتالى قد يضمن له ذلك استنزاف المقاومة وربما تحرير بعض الأسرى، والعودة للإسرائيليين خصوصا المعارضين قائلا: لقد انتصرت خلافا لكل توقعاتكم.
أتمنى أن يحدث الانسحاب فورا وأن يتم توقيع اتفاق الهدنة حقنا لدماء الشعب الفلسطينى الصابر والصامد، لكن القضايا الكبرى لا تتم للأسف بالتمنيات فقط، بل بالعمل الجاد والتخطيط والبحث عن طرق عملية وفاعلة وطويلة الأمد للتعامل مع أسوأ احتلال عرفته البشرية ربما على مدار تاريخها المعروف.