بقلم - عماد الدين حسين
المؤكد أن موافقة مجموعة أو تكتل أو تجمع «البريكس» الخميس الماضى على انضمام مصر لعضويته الكاملة ابتداء من أول العام المقبل هو خطوة جيدة ومفيدة جدا لمصر واقتصادها وموقعها ودورها، شرط أن تحسن استغلالها، لكن المؤكد أيضا أن ذلك لن يحل كل مشاكل مصر دفعة واحدة وبصورة آلية وفورية، والترويج لذلك أمر بعيد تماما عن العقل والمنطق وليس من الحكمة الترويج له بالصورة التى يفعلها البعض.
طبقا للبيانات ففى العام الماضى ارتفعت نسبة التبادل التجارى بين مصر والبريكس بنسبة ١٠٫٥٪ إلى ٣١٫٢ مليار دولار مقارنة
بـ٢٨٫٣ مليار دولار فى عام ٢٠٢١ حسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
وطبقا للبيانات المتاحة فإن حجم التبادل التجارى بين مصر والصين بلغ ١٤٫٩ مليار دولار فى ١١ شهرا من عام ٢٠٢٢ بارتفاع ٢٫٦٪ ومع الهند ٦ مليارات دولار بزيادة ١٣٫٧٪ ومع روسيا ارتفع بنسبة ١٧٫٦٪.
ونصف واردات مصر من الحبوب تأتى تقريبا من روسيا وكذلك بدأت مصر برنامجا لاستيراد الحبوب من الهند بعد اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية.
ومن البيانات والمعلومات المهمة أيضا أن مصر وقّعت اتفاقيات مع دول فى البريكس قبل الانضمام للتعامل بالعملات المحلية فى التبادل التجارى.
البريكس تستحوذ على حوالى ١٩٫٥٪ من التجارة العالمية، وإذا تم تطبيق التبادل التجارى بالعملات المحلية فسوف يكون ذلك مفيدا لمصر، التى تعانى شحا فى العملات الأجنبية. كما قد يجذب الاستثمارات من دول المجموعة خصوصا فى مشروعات التكنولوجيا والبنية التحتية وكذلك خلق نافذة واسعة للصادرات المصرية إلى دول بريكس التى تمثل ٤٠٪ من سكان العالم.
ما سبق هو بيانات أساسية وقد تابعت ما قاله العديد من خبراء الاقتصاد بأن مصر سوف تتمتع بمزايا جديدة نتيجة للانضمام إلى البريكس. وهناك كلام عاقل بأن التكتل سيوفر بدائل تمويل جديدة من خلال عضوية بنك التنمية التابع للمجموعة الذى انضمت إليه بالفعل منذ فترة. وأن العضوية ستعزز التبادل التجارى مع أعضاء التجمع. وأن التكتل واعد ويتوقع أن يطوّر قدراته وإمكانياته والتوسع فى إطار «جنوب ـ جنوب»، وفى مواجهة الغرب الذى بدأ يسيِّس نظام المدفوعات واستخدامه كسلاح كما فعل مع روسيا بعد غزوها لأوكرانيا.
رأى آخر يرى أنه سيكون فى مقدور مصر الاستفادة من الاتفاقيات التجارية للمجموعة والمساندة فى أوقات الأزمات والمساعدة فى المشاريع القومية الكبرى والتسهيلات المقدمة للمستثمرين وكذلك الاتجاه للاعتماد على العملات المحلية، وهو أمر سيفيد مصر خصوصا أن جزءا كبيرا من وارداتها يأتى من دول أعضاء فى البريكس خصوصا الصين وروسيا والهند.
رأى آخر يقول إن العضوية تتيح لنا الاستفادة من خبرات المجموعة فى تطوير وزيادة معدلات التصنيع خصوصا فى ظل التنوع الإنتاجى والسلعى فى دول المجموعة.
مصر مثلا تستورد من البريكس الحبوب واللحوم والسيارات والأجهزة الكهربائية وقطع الغيار ونصدر لهم الجلود والأثاث والخضراوات والفاكهة والقطن والأسمدة والكيماويات.
وهناك ميزة أخرى وهى أن مصر يمكنها الاستفادة من سوق اتفاقيات المقايضة الذى يبلغ حجمه ٦ تريليونات دولار لتقليل الطلب على العملات الأجنبية الصعبة.
وإذا أحسنا استغلال ذلك فإنه سيفتح بابا مهما للصادرات والواردات المصرية بالعملة المحلية التى ستتعزز نتيجة لتقليل حجم الإنفاق بالدولار.
وهناك من يرى أن الاعتماد على بنك التنمية فى القروض والتمويلات الميسرة سيكون مفيدا أكثر لأن هذا البنك لا يتدخل فى سياسات الدول ولا يفرض عليها شروطا مثلما تفعل مؤسسات التمويل الدولية الغربية.
رأى مماثل يرى أن المواطن العادى سوف يستفيد من الانضمام للمجموعة لأنه سوف يشعر بانخفاض فى الأسعار فى الفترات المقبلة وهو أمر يحتاج إلى مزيد من النقاش.
ورأى صحيح يرى أن الانضمام يمثل اعترافا بالمستقبل السياسى والمكانى والاقتصادى لمصر واعترافا بقدرة الاقتصاد المصرى على التعافى، خصوصا أن مصر لديها اتفاقيات تجارة حرة مع دول كثيرة وهذا مفيد لدول البريكس.
هذه هى الصورة الإيجابية البراقة للانضمام إلى البريكس. ومرة ثانية هى خطوة مفيدة فى كل الأحوال، لكن نجاحها يعتمد على ماذا سنفعل نحن فى مصر؟ هل سنزيد الإنتاج والصادرات ونقلل استهلاك الواردات، أم أننا لا نرى فى البريكس إلا مجرد أداة جديدة للحصول على القروض؟!
وهل صحيح أن البريكس قادر على «سحق الدولار» كما قال البعض، أم أن ذلك صعب ويحتاج إلى سنوات طويل للفكاك منه؟!
أسئلة كثيرة تحتاج إلى نقاش هادئ.