بقلم - عماد الدين حسين
فى عدد يوم الخميس الماضى من جريدة «الشروق» كان هناك خبر مهم فى الصفحة الثالثة للزميلة أميرة عاصى، وأظن أنه يفسر لنا الكثير من الظواهر والأسباب والمشاكل الاقتصادية التى تعانى منها مصر فى الفترة الأخيرة.
الخبر يقول إن قيمة الصادرات المصرية انخفضت لمختلف دول العالم فى الشهور الخمسة الأولى من هذا العام ٢٠٢٣ بنسبة ٢٤٫٧٪ لتسجل ١٨٫١١ مليار دولار مقابل ٢٤٫٠٦ مليار دولار فى نفس الفترة من العام الماضى.
الخبر رسمى وصحيح مائة فى المائة لأن مصدره هو نشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
فى هذا الخبر الكثير من التفاصيل المهمة من نوعية أن الدول الأكثر استيرادا من مصر هى تركيا بـ٢٫٠٤ مليار دولار، وإيطاليا بـ١٫٢٧ مليار، والسعودية بـ١٫١٢ مليار وأمريكا بـ٧٥٦٫٥٦ مليون دولار والصين بـ٤٣٣٫٢١ مليون، وهذه الدول الخمسة استحوذت على حوالى ٣١٫٦٪ من إجمالى قيمة الصادرات المصرية.
النشرة تقول أيضا إن صادرات مصر من السلع الزراعية ارتفعت خلال نفس الفترة بنسبة ١١٫٧٪ لتسجل ١٫٨٤ مليار دولار، علما أن السلع الزراعية تمثل ١١٫٥٪ من إجمالى قيمة صادراتنا. نفس الأمر بالنسبة للسلع الغذائية التى ارتفعت بنسبة ٦٫٩٪ مسجلة ١٫٧٨ مليار دولار.
بلغة الأرقام أيضا فإن قيمة الصادرات المصرية ارتفعت خلال العام الماضى بنسبة ١٨٫٣٪ لتسجل رقما قياسيا جديدا هو ٥١٫٤ مليار دولار بنهاية ديسمبر الماضى مقارنة بـ٤٣٫٦٣ مليار دولار فى عام ٢٠٢٢. وكل البيانات والأرقام السابقة مصدرها أيضا الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
من البيانات المهمة أيضا التى نشرتها «الشروق» الأسبوع الماضى أن صادرات مصر من الغاز الطبيعى والمسال انخفضت بنسبة ٥٢٫٣٪، فى حين ارتفعت الواردات من نفس السلعة بنسبة ٣٩٫٥٪ خلال الشهور الخمسة الأولى من هذا العام.
الصادرات هبطت إلى ٢٫٢٧ مليار دولار مقابل ٤٫٧٦ مليار دولار فى نفس الفترة من عام ٢٠٢٢. وفى المقابل ارتفعت قيمة الواردات المصرية من الغاز الطبيعى والمسال لتبلغ ١٫٠٨ مليار دولار مقابل ٧٧٥٫٩ مليون دولار خلال نفس الفترة من العام الماضى، بقيمة ارتفاع وصلت إلى ٣٠٧٫١٧ مليون دولار.
ومن الأرقام الملفتة جدا للنظر فى نشرة الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن قيمة الصادرات المصرية من الغاز الطبيعى والمسال انخفضت خلال شهر مايو الماضى فقط بنسبة ٦٩٫٧٪، حيث بلغت ٢٠٧٫٢ مليون دولار مقابل ٦٨٣٫٨ مليون دولار لنفس الشهر من العام الماضى، بقيمة انخفاض بلغت ٤٧٦٫٦ مليون دولار.
فى حين أن قيمة الصادرات المصرية خلال نفس الشهر أى مايو الماضى انخفضت بنسبة ٢٠٫٩٪ مسجلة ٣٫٣٨ مليار دولار مقابل ٤٫٢٨ مليار دولار فى نفس الشهر من مايو ٢٠٢٢.
والسبب الأساسى فى هذا الانخفاض هو انخفاض تصدير الغاز سواء كان خاما أو مسالا، بنسبة انخفاض بلغت ٦٩٫٧٪ والبترول الخام ٥٤٫٤٪ ومنتجات البترول ٤١٫٧٪ والأسمدة ٧٢٫٤٪.
البيانات السابقة شديدة الأهمية، رغم أنها لم تتضمن شرحا وتفسيرا للأسباب التى جعلت الصادرات تتراجع بهذه النسب الكبيرة جدا. لكن وحتى قبل أن نحاول البحث عن هذه الأسباب، فإن هذه الأرقام كافية جدا لتشرح لنا أحد الأسباب الأساسية للمشكلة الاقتصادية التى نعيشها هذه الأيام إن لم يكن السبب الجوهرى.
ويكفى أن ندرك أن الدولارات وباقى العملات الصعبة التى كنا نحصل عليها من وراء تصدير الغاز الطبيعى أو المسال أو بقية المنتجات ونوفرها لنستورد السلع الأساسية لم تعد متاحة بنفس القدر وبالتالى نعرف السر الكبير للمشكلة التى نعانى منها.
طبعا قد يسأل سائل: ولماذا تراجع تصديرنا من هذه السلع وزادت وارداتنا منها؟
هناك أسباب متعددة أولها الانخفاض الكبير فى أسعار الغاز عالميا بعد الارتفاع الكبير بفعل الغزو الروسى لأوكرانيا. وثانيا إننا يجب أن ندفع للشركات الأجنبية مستحقاتهم حينما نحصل على حصتهم من هذه الحقول، وحينما نتأخر فى دفع هذه المستحقات فمن الطبيعى أن يتباطأ إنتاجهم واكتشافاتهم، وبالتالى يقل إنتاجهم، وربما تتعرض الحقول لبعض الأعطال الطبيعية والمتوقعة، وحينما يحدث ذلك تبدأ المشكلة فى الظهور.
وقد يسأل سائل أيضا، ولماذا لا نسدد كل مستحقات الشركاء الأجانب فورا حتى يزيد إنتاجهم وبالتالى نصدر أكثر ونستورد أقل؟!
الإجابة بسيطة لأننا لا نملك الدولارات الكافية، وإذا امتلكناها فإنها تذهب إلى مصادر أكثر أهمية مثل تأمين استيراد القمح والزيوت والأدوية مثلا.
القصة طويلة ويتبقى لنا أن نلقى الضوء على قصة الواردات المصرية وهل زادت أم انخفضت وما هو تفسير هذا وذاك؟!