بقلم - عماد الدين حسين
سؤال: ماذا يعنى ترفيع العلاقات المصرية الأوروبية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية والشاملة؟
وماذا يعنى حضور رئيسة المفوضية الأوروبية ومعها خمسة من قادة الدول الأوروبية إلى القاهرة لعقد قمة مصرية أوروبية مصغرة، ستتحول إلى دورية كل عامين؟.
قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال، أقول إننى كنت حاضرًا لهذه اللحظة التاريخية داخل القاعة الكبرى فى قصر الاتحادية بمصر الجديدة، واستمعت مباشرة إلى كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى أعطى الكلمة للقادة الضيوف وهم رؤساء دول وحكومات إيطاليا وبلجيكا والنمسا واليونان وقبرص ورئيسة المفوضية الأوروبية.
ومن حسن حظى أننى كنت مطلعًا إلى حد كبير على المفاوضات التى سبقت الوصول إلى هذه اللحظة التاريخية حيث حضرت اجتماع لجنة الشراكة المصرية الأوروبية التى انعقدت فى مقر الاتحاد الأوروبى فى بروكسل فى الفترة من ٢١ــ٢٤ يناير الماضى.
القمة المصرية الأوروبية أسفرت عن تقديم أوروبا لدعم اقتصادى لمصر قيمته ٧٫٤ مليار يورو خلال ثلاث سنوات كمنح وقروض وتسهيلات وبشروط ميسرة جدًا وبفائدة قليلة نسبيًا وفترة سماح تصل إلى عشرين سنة.
وطبقًا لما قاله الاتحاد الأوروبى فإن مصر ستحصل على ٥ مليارات يورو عبارة عن قروض ميسرة و٦٠٠ مليون يورو كمنحة منها ٢٠٠ مليون لملف المهاجرين و١٫٨ مليار يورو استثمارات أوروبية ستحصل عليه مصر فى إطار خطة الشراكة الاقتصادية والاستثمارية مع دول جنوب المتوسط.
مفهوم الشراكة الشاملة والاستراتيجية يتضمن ٦ أولويات أساسية هى تعزيز العلاقات السياسية بين الجانبين ودعم الاستقرار الديمقراطى والحريات الرئيسية وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. هناك أيضًا التزام أوروبى بدعم التعليم من خلال برنامج «هوريزن يورب»، وهى مجالات لم تكن متاحة أمام مصر قبل توقيع هذا الاتفاق.
إضافة إلى تعاون مشترك فى مجالات كثيرة خصوصًا الطاقة وبالأخص الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر والتحول الرقمى والأمن الغذائى المتمثل فى توسيع مشروعات إنتاج وتخزين الحبوب. وبالطبع هناك تعاون بين الجانبين فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
نعود إلى ما بدأنا به ونسأل ماذا تعنى هذه الشراكة الاستراتيجية والشاملة وما الذى يدفع قادة ٥ دول أوروبية مهمة إلى المجىء للقاهرة فى هذا التوقيت؟.
المعنى الأول أن كل جانب يدرك أهمية الجانب الثانى بالنسبة له.
من الطبيعى أن مصر تدرك أن أوروبا لها ثقل عالمى كبير على العديد من الأصعدة سياسيا واقتصاديا وثقافيا خصوصا أنها فى الجانب الآخر من البحر المتوسط.
لكن الأهم أن أوروبا بدأت تدرك الأهمية القصوى لمصر ودورها فى المنطقة الإقليمية وربما يكون العدوان الإسرائيلى الأخير على غزة قد ساعد فى إعادة الاعتبار للدور المصرى وأهميته المحورية.
المساعدات الأوروبية لمصر جاءت فى فترة شديدة الحساسية لمصر. حيث إنها كانت تعانى من أزمة اقتصادية خانقة خصوصا فيما يتعلق بشح العملات الأجنبية الصعبة، الأمر الذى قاد إلى تراجع كبير فى قيمة الجنيه بحيث إن الدولار صار يساوى أكثر من سبعين جنيها فى السوق السوداء قبل أن ينخفض إلى أقل من خمسين جنيها بعد توحيد سعر الصرف وضخ كميات غير مسبوقة من الدولارات فى شرايين الاقتصاد المصرى.
حينما ينضم الاتحاد الأوروبى إلى صندوق النقد الدولى والبنك الدولى وشركاء التنمية إلى دعم الاقتصاد المصرى فى هذه الفترة العصيبة فهو موقف مهم. لكن السؤال الطبيعى: هل الاتحاد الأوروبى جمعية خيرية تقوم بتوزيع ملياراتها يمينا ويسارا على بقية الدول. أو هل هو فقط يقدم لمصر هذا الدعم الاستثنائى «من أجل خاطر سواد عيوننا»؟
الإجابة ببساطة أن كل طرف يبحث عن مصالحه وليس عن عواطفه وبالتالى فالسؤال هو: ما هى المصالح المشتركة بين الطرفين وكيف يمكن أن نعظم من مصالحنا وندفع الآخرين لمساعدتنا على بلوغ أهدافنا بأفضل الشروط أو أقل الأضرار ومن دون تقديم أثمان صعبة؟.