بقلم - عماد الدين حسين
فى السابعة والربع من مساء الأحد قبل الماضى بتوقيت القاهرة استضافتنى قناة «المشهد» التى تبث من دبى للحديث عن تحليلى لتصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب التى دعا فيها إلى تهجير سكان غزة إلى دول خارج القطاع لحين الانتهاء من إعادة إعمار القطاع، ثم طور الاقتراح لاحقا الى شراء وتملك والاستيلاء على القطاع لإقامة ريفيرا جديدة فيه.
كان هناك ضيف من الأردن، وضيف من داخل الاستوديو فى دبى، واتفقنا نحن الثلاثة على خطورة هذه التصريحات ومعارضتها.
كان هناك ضيف رابع من واشنطن يدعى خالد الغبرا وهو عضو فى الحزب الجمهورى الأمريكى، وكانت له آراء غاية فى الغرابة والدهشة ولا تقل خطورة عن ترامب أيضا!!!
أقول فى غاية الغرابة لأنه وهو يحمل اسما عربيا فهو يرى أن اقتراح ترامب عملى جدا ويصب فى صالح الفلسطينيين وتوفير مكان آمن لمعيشتهم حتى يتم إعادة إعمار غزة، وأن سبب كل هذه المشكلة هو المقاومة.
السيد الغبرا لم يكن يدرى وقتها أن ترامب سيغير رأيه بعد أيام قليلة ويتحدث عن تهجير وطرد وإبعاد دائم واستيلاء وليس مجرد نقل مؤقت للسكان ثم يعودون بعد إعادة الإعمار.
وفى تقدير الغبرا أيضا فإن ترامب لم يتحدث مطلقا عن تهجير قسرى فهو طرح فكرته من أجل عيون الفلسطينيين ومصالحهم، بعد أن وجد أن قطاع غزة بأكمله لم يعد صالحا للحياة!!!
خلال البرنامج عارضنا نحن الثلاثة كلام الغبرا وفندنا أفكاره، فاتهمنا بأننا لا نهتم بحياة وراحة الفلسطينيين حينما لا نوافق على ما يقوله ترامب، وأننا ــ فيما معناه ــ واقعون تحت أسر نظرية المؤامرة المستمرة. وأنه إذا كانت الأردن يصعب عليها قبول عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين الجدد، فما المانع أن تقبل مصر ذات المساحة الكبيرة والعدد الأكبر من السكان المزيد من الفلسطينيين؟!!!
قلت للأستاذ الغبرا إننى أستغرب أن أفكارك أشد تطرفا من بعض السياسيين الإسرائيليين، بل إن هناك كتابات فى الصحافة الإسرائيلية مثل هاآرتس ترى الصورة واضحة وأن المشكلة ليست فى حماس أو فتح أو الجهاد أو المقاومة الفلسطينية عموما، بل فى الاحتلال الإسرائيلى.
الأستاذ الغبرا يقول: إن ترامب طرح فكرة محددة لخدمة الفلسطينيين، فلماذا لا نطرح نحن العرب أفكارا بديلة وقابلة للتطبيق لحل المشكلة الراهنة؟
قلت له: أولا لابد أن نعرف السبب الرئيسى لهذه المشكلة، وبعدها نتحدث عن الحلول والبدائل، لكنه يرى أن علينا ألا نغوص فى الماضى وفى أسباب المشكلة!!
والماضى الذى يقصده هو ما فعله الاحتلال الإسرائيلى من قتل وتدمير وإبادة طوال أكثر من 15 شهرا ضد الشعب الفلسطينى شبه الأعزل وقبله ما فعله منذ الاحتلال عام 1967، بل ومنذ النكبة عام 1948.
قلت وقال الضيفان أيضا إن الحل المؤقت هو إدخال أكبر قدر من المساعدات للقطاع ومساعدة الفلسطينيين على إزالة الأنقاض. والعمل على وقف دائم لإطلاق النار. والحل المثالى هو إقامة دولة فلسطينية طبقا لقوانين الشرعية الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة.
قلت له أيضا إن أمريكا ــ بلده الجديد ــ هى التى ساعدت إسرائيل على تدمير غزة، حينما فتحت خزائن أموالها ومخازن أسلحتها وأوقفت تمويل الأونروا، واستخدمت سلاح الفيتو لحماية إسرائيل فى مجلس الأمن والجمعية العامة، وهددت المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية لمنع إدانة إسرائيل.
ولولا هذه المساعدة ما تم تدمير القطاع. أمريكا شريك أصيل وفاعل أصلى فى جريمة الإبادة الجماعية. والآن يأتى الرئيس ترامب ليحقق لإسرائيل بالسياسة ما فشلت فيه بالعدوان.
قلت للغبرا: إننى لا أحب حماس كثيرا ولا أوافق على معظم أفكارها، ولكنها حينما تواجه إسرائيل فهى تقاوم الاحتلال طبقا للقانون الدولى. والمشكلة ليست فى حماس، بل فى الاحتلال، فقبل عام 1987 لم تكن حماس موجودة، لكن كان هناك الاحتلال، ولم يكن حزب الله موجودا فى لبنان إلا بعد الاجتياح الإسرائيلى للبنان فى يونيو 1982.
الأصل فى المشكلة هو الاحتلال، وحتى إذا اختفت حماس وحزب الله غدا ومعهما سائر حركات المقاومة فسوف تخرج حركات جديدة بأسماء جديدة حتى ينتهى الاحتلال.