بقلم - عماد الدين حسين
منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ لم تعد الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والعديد من الدول الغربية قادرة على وعظ أى دولة فى العالم الثانى أو الثالث أو حتى العاشر بضرورة احترام حقوق الإنسان وحريات التعبير والمساواة، والسبب كما صار واضحا هو أن هذه الدول لا تؤمن بحقوق الإنسان إلا إذا كانت فى مصلحتها.
هل سيفهم من كلامى السابق أو اللاحق أننى أبرر لأى أنظمة قمعية فى العالم الثالث أن تنتهك حقوق الإنسان فى بلدانها؟!.
الإجابة هى النفى القاطع، والطبيعى أن يتم احترام هذه الحقوق لأن الشعوب تستحق ذلك، وليس بسبب الضغوط الأمريكية أو الأوروبية.
أعود إلى ما بدأت به والجديد فيه وأحدث دليل عليه هو قرار إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يوم الثلاثاء الماضى بتجميد معونات بقيمة ٢٫٢ مليار دولار لجامعة هارفارد المعروفة، وكذلك تجميد عقود حكومية معها بقيمة ٦٠ مليون دولار، لأن الجامعة رفضت طلبا من ترامب لاتخاذ إجراءات عقابية ضد الطلاب الرافضين للعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وكذلك تضييق الخناق على المظاهرات الداعية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين وعدوانها المستمر على سوريا ولبنان.
رئيس الجامعة آلان جاربر خاطب الطلاب وقال لهم إن مطالب ترامب تتجاوز صلاحيات إدارته وتنتهك حقوق الجامعة المنصوص عليها فى الدستور وهى مطالب غير مسبوقة وتسعى للسيطرة على الجامعة.
نعلم أن الاحتجاجات الداعمة لفلسطين بدأت مع اشتداد العدوان العام الماضى من جامعة كولومبيا وامتدت إلى أكثر من ٥٠ جامعة واحتجزت الشرطة أكثر من ٣١٠٠ شخص من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس.
ونعلم أيضا أن إدارة ترامب حاولت وتحاول طرد ناشطين ضد الجرائم الإسرائيلية شاركوا فى هذه الاحتجاجات ومنهم مثلا الفلسطينى محسن مهداوى ابن الضفة الغربية، وقبله طالب الدراسات العليا الفلسطينى أيضا محمود خليل الذى صدر قرار أخير بإمكانية ترحيله.
سيقول بعض المغرمين بالنموذج الأمريكى أن المشكلة فقط فى شخص ترامب، وأن إدارة جو بايدن الديمقراطية لم تكن كذلك.
ولهؤلاء نقول لهم إن ترامب ليس مجرد شخص، بل إنه جاء بأغلبية كاسحة، تعبر عن المزاج الأمريكى المنحاز لإسرائيل، ثم إن بايدن وإدارته الديمقراطية هو الذى قدم كل شىء لإسرائيل لارتكاب جرائم الحرب ضد الفلسطينيين من أول المال والسلاح نهاية بالفيتو مرورا بمحاربة المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية وسائر الهيئات والمؤسسات الدولية خصوصا استخدام الفيتو لمجرد أنها تجرأت وانتقدت إسرائيل.
هل هناك حقوق للإنسان فى الدول الغربية؟
المؤكد أن الإجابة هى نعم.
وهل هذه الدول أفضل منا نحن الشعوب العربية والعالم ثالثية فى هذا المضمار؟! .
الإجابة هى نعم أيضا، وحال العرب وغالبية المسلمين والأفارقة تصعب على الكافر فى مسألة حقوق الإنسان.
أقول ذلك حتى لا يعتقد البعض أننى أبرر انتهاكات حقوق الإنسان فى أى مكان، وهو أمر أرفضه بكل قوة.
الهدف من الكلمات السابقة أن يفيق بعضنا وندرك أن النموذج الغربى فى حقوق الإنسان مزيف جدا وغير مبدئى، بل إنه لا يخدم الإنسان بصورة مبدئية.
فحينما تدافع الحكومات والمؤسسات الغربية عن العدوان الإسرائيلى غير المسبوق على الشعب الفلسطينى واللبنانى والسورى، فهى تنكر أساسا أن هناك إنسانا عربيا له حقوق مثله مثل الإسرائيلى تماما.
هناك دول أوروبية صارت الآن تشترط ضرورة الاعتراف بحق إسرائيل فى الوجود لكى تمنح الإقامة أو الجنسية للأجانب، وقد توسع مفهوم «معاداة السامية» ليشمل كل من ينتقد السياسات الإسرائيلية الإجرامية أو لا يعترف بالصهيونية.
أنا أفهم وكثيرون غيرى معاداة السامية باعتبارها معاداة اليهود، وهو أمر نرفضه لأن اليهودية دين سماوى مثلها مثل الإسلام والمسيحية ينبغى احترامها.
لكن نحن نختلف مع الصهيونية ومع الجرائم الإسرائيلية ونقدر ونحترم القوى والشخصيات الغربية والإسرائيلية التى تدين الجرائم الإسرائيلية وينبغى تشجيعها ودعمها فربما يأتى يوم وتتمكن من التصدى لجرائم الحرب الصهيونية.