بما أن غالبية الدول العربية استبعدت منذ وقت طويل اتخاذ إجراءات عملية ضد التطرف والعدوانية الإسرائيلية، إلا ما ندر، وبما أن الجامعة العربية هى محصلة لمواقف الدول ولا تملك ميزانية او جيشا لتنفيذ توصياتها ــ فإنه لم يبق للعرب إلا المواقف والكلمات، وهى تظل مهمة جدا حتى لو كان البعض يراها غير كافية.
كنا نتندر فى الماضى، على كثرة عبارات الشجب والإدانة والاستنكار فى القمم والاجتماعات العربية، ولم نكن نظن أننا سنصل إلى وقت لا نجد فيه حتى عبارات الشجب.
وبهذا المعيار فقد لفت نظرى الكلمة المهمة التى ألقاها السفير أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية فى افتتاح القمة رقم ٣٣ فى المنامة عاصمة البحرين يوم الخميس الماضى، إضافة إلى ردوده على أسئلة الصحفيين فى المؤتمر الصحفى، الذى حضرته بدعوة كريمة من البحرين.
ما قاله أبوالغيط فى كلمته يعبر عمليا عن موقف غالبية العرب، لكن كيف يتحول الى واقع على الأرض؟
وقد اخترت من كلمة أبوالغيط التعبيرات والفقرات الآتية، وأراها شديدة الأهمية:
قال أبوالغيط: «العدوان الإسرائيلى بكل ما ينطوى عليه من وحشية وتجرد من الضمير يمثل حدثا فارقا، والشعوب العربية لن تنسى ذلك العنف الأعمى الذى أظهره الاحتلال وهو يستهدف النساء والأطفال ويطارد المهجرين والمشردين من ملاذ إلى آخر بالقنابل والرصاص، وقد صار العالم كله مدركا لحقيقة باتت ساطعة وهى أن الاحتلال والسلام لا يجتمعان».
«الاحتلال لا يمكنه الاستدامة إلا بممارسة التطهير العرقى وبالإمعان فى فرض واقعه الغاشم بقوة السلاح».
وطريق السلام يقتضى منهجا مختلفا بتخلى الاحتلال عن أوهام الاحتفاظ بالأرض والسيطرة على البشر والإنهاء الفورى للاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود ٦٧، لكن ما رأيناه عبر الشهور الماضية يشير إلى أن الأوهام لاتزال تحكم التفكير، وأن تصورات القوة والهيمنة العرقية لاتزال تسيطر على السياسات.
أبوالغيط أشار بوضوح إلى التواطؤ والدعم الغربى للعدوان وقال: «للأسف قدمت بعض الدول الغربية غطاء سياسيا بالذات مع بداية العدوان كى تمارس إسرائيل هذا الإجرام، واليوم يقف حتى أقرب أصدقائها عاجزا عن لجمها.
ورغم هذا العدوان الظالم فإن أبوالغيط كان واثقا من انتصار الفلسطينيين فى النهاية وقال نصا: «النكبة التاريخية لم تمحُ الفلسطينيين من الوجود ولم تخرجهم من الجغرافيا ولم تشطبهم من التاريخ وأبناء أبنائهم هم من يمارسون هذا الصمود الأسطورى اليوم على الأرض فى غزة وجميع ربوع فلسطين. التهجير القسرى مرفوض عربيا ودوليا وأخلاقيا وإنسانيا .. ولن يمر».
أبوالغيط كان واضحا وهو يخاطب الاحتلال بقوله: «ما ترتكبونه فى غزة لن يعيد إليكم الأمن، ولا مستقبل آمن فى المنطقة إلا بمسار موثوق لا رجعة عنه لإقامة الدولة الفلسطينية.
فى ختام حديثه عن العدوان الإسرائيلى طالب أبوالغيط المجتمع الدولى وبالأخص أصدقاء إسرائيل بإقامة مؤتمر دولى للسلام يجسد رؤية الدولتين التى تحظى بالإجماع العالمى.
خلال المؤتمر الصحفى عقب نهاية القمة، قال أبوالغيط وبجواره وزير الخارجية البحرينى عبداللطيف الزيانى إن نصف مساحة البيان الختامى للقمة كانت عن القضية الفلسطينية، وكان هناك ٢١ وزير خارجية من بين ٢٢ وزيرا، وهو أمر لم يحدث من قبل وأن القمة انتهت دون خلافات أو احتكاكات.
من النقاط المهمة التى أثارها أبوالغيط فى المؤتمر الصحفى أيضا قوله: «إن أيام العدوان على غزة كشفت عن سقوط إدعاءات أخلاق السياسة» وتساءل: «لو كانت هذه الدماء أوروبية ما كانوا سمحوا بكل هذا أن يحدث، وما حدث هو سقوط لكل من يدافع عن التصرفات الإسرائيلية، البعض منا كان يصدقهم للأسف الشديد ثم انكشفوا حينما صمتوا عن سقوط ٣٥ ألف شهيد و٧٥ ألف جريح.
ولم يبق هناك إلا طرف واحد يدافع عن إسرائيل، ثم إن هناك وضعا كاشفا جديدا فى العلاقات والسياسة الدولية يتعلق بوضعية إسرائيل فى العالم نظرا لمسئوليتها عن الوضع الذى يستهدف العالم حاليا.
انتهى اقتباسى بتصرف من كلمة أبو الغيط. والسؤال لماذا هذا التباعد بين عواطف الشعوب العربية الساخنة وسياسات غالبية الحكومات العربية الباردة؟ وكيف وصلنا إلى وضع لم يعد بعضنا قادرا فيه حتى على وصف ما تفعله إسرائيل بأنه عدوان؟!