بقلم - عماد الدين حسين
مرة أخرى نسأل: هل صفقة رأس الحكمة ستحل كل مشاكل مصر الاقتصادية؟!
الإجابة هى أن هناك ما يشبه الإجماع بين كبار المسئولين والخبراء الاقتصاديين المؤيدين للحكومة والمعارضين لها بأنها صفقة تاريخية واستثنائية.
إذا أحسنا استغلالها ستضعنا على أول الطريق الاقتصادى الصحيح، وإذا لم نفعل فسوف تكون فرصة ضائعة أخرى قد لا تتكرر فى المستقبل القريب.
يستحق الذين ساهموا فى إنجاز هذه الصفقة كل الشكر والتقدير، وتستحق دولة الإمارات العربية المتحدة نفس الشكر والتقدير لوقوفها بجانب مصر فى هذا الوقت الصعب، حتى لو كانت سوف تستفيد من هذه الصفقة اقتصاديا.
نعود إلى النقطة الجوهرية وكيف يمكن أن تساهم هذه الصفقة فى وضع مصر على بدايات الطريق الصحيح اقتصاديا؟
أى متابع يعرف أن الاحتياجات الطارئة لمصر من العملة الصعبة أكبر كثيرا من مبلغ الـ٢٤ مليار دولار التى جاء منها عشرة مليارات بالفعل والباقى سيدخل البنك المركزى بعد شهر ونصف من الآن. بل إن الاحتياجات أكبر من كل المبالغ التى ستأتى من بقية المصادر مثل قرض الصندوق ومساعدات الاتحاد الأوروبى المتوقعة وبقية شركاء التنمية وكذلك الصفقات والطروحات والاستحواذات المرتقبة خلال الفترة المقبلة.
السؤال الذى أكرره ويكرره غيرى كثيرا وينبغى أن نكرره طوال الوقت هو: ما هى الطريقة المثلى التى يفترض أن نستغل بها هذا المبلغ الضخم غير المسبوق من الدولارات، لكى نعبر به هذه الأزمة العاتية والتى نعلم جميعا آثارها على غالبية إن لم يكن كل المصريين؟
مرة أخرى حصيلة الصفقة قد لا تكفى كل الاحتياجات العاجلة خصوصا ما نحتاج إليه لاستيراد السلع الأساسية والأدوية مضافا إليه المطلوب للإفراج عن السلع والخامات الموجودة فى الموانئ وكذلك مستحقات شركات البترول العالمية.
لكن المؤكد أن حصيلة الصفقة ستلعب دورا حاسما فى تهدئة السوق ووقف اندفاعات غلاء الأسعار التى طالت كل شىء تقريبا. لست خبيرا اقتصاديا لكنى استمعت لكثيرين يفهمون فى الاقتصاد ومتابعين جيدين للأزمة الراهنة، وهناك ما يشبه الإجماع بينهم أن هذه الأزمة تتطلب اتخاذ قرارات بميزان من ذهب وفضة وألماس وكل موازين المجوهرات الثمينة.
يتطلب الأمر التفكير بمنتهى الهدوء والاستعانة بكل خبراء الاقتصاد الحقيقيين والاستماع إلى آرائهم بشأن الخطوات القادمة.
هناك إجراءات وقرارات وقتية تتعلق بما هو عاجل للتعامل مع هذه الأزمة، وهناك رؤى وسياسات وأفكار يفترض أن تكون جاهزة للتعامل مع يمكن أن نسميه «اليوم التالى» بعد أن تكون حصيلة الصفقة قد ذهبت إلى أوجهها الصحيحة.
مهمة أساسية أن تنخفض الأسعار الملتهبة وسيكون أمرا طيبا، أو فى أسوأ الأحوال تظل على حالتها، ثم وهذا هو الأهم التفكير فى طريقة سياسية تضعنا على الطريق الصحيح بحيث نضمن تدفقا مستداما وآمنا من العملات الأجنبية يساوى الفجوة الدولارية التى نعانى منها منذ سنوات وتفاقمت بعد بداية الحرب الروسية الأوكرانية.
أكثر المتفائلين لم يتخيل أن نحصل على ٢٤ مليار دولار مرة واحدة وربما يأتى المزيد خلال الأسابيع المقبلة، وبالتالى فهذه أفضل انطلاقة يمكن أن يحظى بها من هم فى وضعنا وربما أسوأ.
وإذا صح الاعتقاد بأن حصيلة رأس الحكمة لن تكون كافية لتلبية وتدبير كل احتياجات الاستيراد، فقد وجب أن يكون هناك ميزان أكثر من دقيق وحكيم لتحديد ما ينبغى تدبيره من عملة وما لا ينبغى التعامل معه، وأن تستمر هذه السياسة حتى نقف على أرض صلبة ونملك كل ما نحتاج إليه من عملة صعبة من أجل الاستيراد. أو ــ وهذا هو الأهم ــ أن نعرف كيف نعتمد على أنفسنا ونصدر أكثر مما نستورد وننتج أكثر مما نستهلك.
إذا حصل ذلك فلن نكون محتاجين أساسا للدولار بل وقتها سيكون لدينا فائض منه.
أتمنى أن تكون قرارات الأمس برفع سعر الفائدة 6% ومحاولة توحيد سعر الصرف خطوة أساسية وفاعلة لضبط سوق النقد. وهى قرارات تستحق المزيد من النقاش.