الرئيس الراحل محمد أنور السادات كان صادقا وصائبا حينما قبل باتفاق وقف إطلاق النار خلال حرب أكتوبر المجيدة عام ١٩٧٣. ثم» »اتفاقيات فض الاشتباك وقال جملته الشهيرة: «نحن نواجه أمريكا وليس إسرائيل فقط».
كلام السادات عام ١٩٧٣ يكاد يتكرر بحذافيره الآن مع فارق الزمن والتفاصيل. فكل من يواجه إسرائيل يكتشف فى النهاية أنه يواجه عمليا الولايات المتحدة.
للمرة المليار .. الولايات المتحدة هى الراعى الرسمى لإسرائيل وربما هى اسرائيل نفسها، فهى متكفلة وملتزمة التزاما كاملا بدعمها وحمايتها وتسليحها وتمويلها بحيث تصبح القوة الأكبر فى المنطقة وأى حديث عن خلافات أمريكية إسرائيلية جوهرية هو لتخدير الشعوب العربية.
من يتأمل تطورات وتفاصيل الموقف الأمريكى من الصراع الإيرانى الإسرائيلى الأخير سواء قبل الرد الإيرانى أو خلاله أو بعده، ومن مجمل الموقف الأمريكى من دعم العدوان الإسرائيلى على الفلسطينيين فى قطاع غزة، سوف يصل إلى قناعة نهائية لا تقبل الدحض وهى أن الفلسطينيين وكل من يساندهم يحاربون عمليا الولايات المتحدة..
نعلم تماما أن الجيش الإسرائيلى هاجم القنصلية الإيرانية فى دمشق منذ حوالى أسبوعين، وهدمها على رءوس من فيها وكان من بينهم أحد كبار قادة فيلق القدس والحرس الثورى الجنرال محمد زاهدى.
ونعلم أن هذا الهجوم مخالف تماما للقانون الدولى والاتفاقيات المنظمة للبعثات الرسمية.
إيران أعلنت أنها سوف ترد على هذا الهجوم وهو ما تم بالفعل فى الساعات الأولى من صباح أمس بصورة شديدة الانضباط.
كل ما سبق متوقع فى ضوء الصراع الإيرانى الإسرائيلى لكن نعلم أيضا أن الولايات المتحدة لم تشجب أو تدين الهجوم الإسرائيلى، وحينما أعلنت طهران أنها سوف ترد على الهجوم رأينا الولايات المتحدة تتصرف وتتحرك وكأنها إسرائيل.
الإدارة الأمريكية ووزارة خارجيتها ووزارة دفاعها أعلنت بوضوح أن واشنطن سوف تدافع عن إسرائيل.
وحركت السفن والمعدات اللازمة إلى المنطقة.
بل إنها سخرت دبلوماسيتها لمحاولة منع إيران من الرد، وأرسلت رسائل متنوعة سواء بصورة مباشرة عبر السفارة السويسرية فى طهران، أو غير وسطاء كثر، تحذر فيها إيران من مغبة الرد على القواعد الأمريكية فى المنطقة أو مهاجمة الداخل الإسرائيلى.
الرئيس الأمريكى قطع إجازته يوم السبت الماضى وعاد لواشنطن لمتابعة التطورات، ومستشار الأمن القومى جيك سوليفان قال إن بلاده ملتزمة التزاما صارما بأمن إسرائيل، والجيش الأمريكى قال إنه وضع كل استعداداته الأصلية والإضافية فى المنطقة فى وضع الاستعداد للرد على أى هجوم إيرانى محتمل سواء من الأراضى الإيرانية أو من القوى المدعومة إيرانيا فى العراق وسوريا وفلسطين واليمن وعمليا فان الدفاعات الحوية الامريكية ومعها الفرنسية والبريطانية هى التى حمت اسرائيل حتى قبل ان تصل الصورايخ اليها.
وخلال الايام الماضية فان البيانات الامريكية، لا يمكن تمييزها عن البيانات الإسرائيلية لدرجة تجعل المراقبين عاجزين عن التفرقة بينهما.
نتذكر أيضا أنه حينما بدأ العدوان الإسرائيلى على غزة، فى ٧ أكتوبر الماضى أرسلت واشنطن حاملتى طائرات وسفنا نووية إلى الشواطئ الإسرائيلية وحركت قواتها فى المنطقة بهدف أساسى هو تمكين إسرائيل من الانفراد بالفلسطينيين ومنع انضمام أى دول أخرى خصوصا إيران للمقاومة الفلسطينية وكان الهدف الأمريكى العلنى هو منع اتساع الصراع ليصبح إقليميا، فى حين أن هدفه الأساسى تمكين الجيش الإسرائيلى من الإجهاز على الفلسطينيين.
لا ننسى أيضا أن الولايات المتحدة لم توقف توريد الأسلحة والذخائر طوال الوقت إلى إسرائيل، بل وخالفت الإدارة الأمريكية القوانين والتفت على الكونجرس لتمرير تصدير أسلحة أو إقرار مساعدات طارئة بمليارات الدولارات لإسرائيل.
لا ننسى أيضا أن الرئيس جو بايدن جاء لإسرائيل بعد أيام من ٧ أكتوبر داعما ومساندا، أما وزير خارجيته أنتونى بلينكن فكان واضحا حينما قال إنه جاء لإسرائيل باعتباره يهوديا وفى كل جولاته السبع الماضية فإنه كان وزيرا لخارجية إسرائيل أكثر منه وزيرا لخارجية الولايات المتحدة.
هل معنى كل ما سبق أنه لا يوجد اختلاف بين أمريكا وإسرائيل؟ من تجربة الشهور الستة الماضية فهناك بالفعل خلافات بين الإدارة الأمريكية وحكومة بنيامين نتنياهو حول طريقة تحقيق الأهداف الإسرائيلية، لكن وحتى هذه اللحظة فإننا لم نرصد أى خلافات جوهرية بين البلدين فيما يتعلق بتحقيق الأهداف الإسرائيلية التى هى فى النهاية تحقق المصالح الامريكية.
من أجل كل ما سبق فإن على كل من يواجه إسرائيل عليه أن يتعامل على أساس أنه يواجه أمريكا، وبالتالى يبنى حساباته على هذا الأساس، بدلا من أى حسابات عاطفية أو خاطئة. أعرف عدوك جيدا وأعرف من يسانده حتى تستطيع مواجهته بالصورة الصحيحة.