بقلم - عماد الدين حسين
السؤال الذى يسأله كثير من المصريين هذه الأيام، هو: كيف ستنعكس الانفراجة الاقتصادية الحالية والتدفقات الدولارية على الأسواق؟ وبالتالى متى تنخفض أسعار العديد من السلع والخدمات التى شهدت ارتفاعات متتالية فى العامين الأخيرين؟
السؤال مشروع لأن المواطنين المصريين، ومنذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية فى ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، وهروب الأموال الساخنة، وانفجار التضخم العالمى وأسباب داخلية أخرى، وهم يعانون من ارتفاعات متتالية فى الأسعار.
كان مفهومًا أن ترتفع الأسعار بسبب الارتفاع الجنونى للدولار وسائر العملات الأجنبية أمام الجنيه المصرى، حيث تجاوز سعر الدولار حاجز السبعين جنيهًا فى الشهر الذى سبق عملية توحيد سعر الصرف يوم الأربعاء قبل الماضى.
كل التجار والمستوردين كانوا يسعرون سلعهم على أساس أن سعر الدولار الفعلى يتجاوز تقريبًا التسعين أو المائة جنيه. فهو يشتريه من السوق السوداء بسبعين جنيهًا أو أكثر، ويُضاف إليه حوالى ثلاثين جنيهًا من أجل تحويله إلى دولار رسمى، ثم تكاليف نقل البضاعة من الدولة الأجنبية، وحتى يراها المستهلك فى المحل أو السوبر ماركت، والمواطن هو الذى يتحمل هذا السعر الجنونى فى نهاية الأمر.
الآن تمكنت الحكومة من إنجاز صفقة رأس الحكمة مع الإمارات، وقيمتها ٣٥ مليار دولار ثم الاتفاق المبدئى مع صندوق النقد الدولى لـ٩٫٢ مليار دولار، ثم قرض آخر بثلاثة مليارات دولار من البنك الدولى وأكثر من ثمانية مليارات دولار تقريبًا من الاتحاد الأوروبى وبعض شركاء التنمية الآخرين.
إجمالى هذا المبلغ الذى يصل إلى ٥٠ مليار جنيه لم يحلم به أشد المتفائلين منذ شهور قليلة. والنتيجة أن التدفقات الدولارية وصلت بشائرها للبنك المركزى، وبالتالى أقدم على عملية توحيد سعر الصرف.
المستورد الذى كان يدبر الدولار من السوق السوداء بأكثر من سبعين جنيهًا صار يجده فى البنك المركزى بخمسين جنيهًا، وربما أقل حيث تراجع السعر إلى 48 جنيهًا فى الأيام الماضية ما دام أن سلعته أساسية، وبالتالى فهو يشترى هذه البضاعة على أساس أن سعر الدولار هو خمسون جنيهًا.
ونتيجة لكل ما سبق يفترض أن ينعكس ذلك على أسعار السلع والخامات ومستلزمات الانتاج المستوردة، وعلى إجمالى نشاط السوق.
سألت أكثر من خبير اقتصادى: متى تنخفض الأسعار؟!
الإجابة تتلخص فى أن ذلك سيحدث قريبًا عندما تكتمل الدورة الاقتصادية بمعنى أنه فى حالة أسعار الفراخ مثلًا فإنه منذ اللحظة التى يحصل فيها مستورد الأعلاف على الدولارات، وتصل الأعلاف إلى المزارع، فإن زمن الدورة هو حوالى ٤٥ يومًا حتى يتم بيع الفراخ إلى تاجر التجزئة، فتصل إليه بالسعر المنخفض، وهكذا سوف يشعر المستهلك للفراخ بانخفاض الاسعار بعد ٤٥ يومًا من الإفراج عن الأعلاف من الموانى. والحال نفسه بالنسبة لدورة أى سلعة أخرى سواء كانت لحومًا أو دقيقًا أو زيتًا.
لكن فى المقابل فإن هناك سلعًا قد لا تنخفض وربما تشهد ارتفاعًا، لأنه كان يتم تسعيرها على أساس أن قيمة الدولار فى البنك المركزى هى ٣١ جنيهًا، ومع ارتفاع سعر الدولار بعد تعويمه الجزئى ووصوله إلى حوالى خمسين جنيهًا، فالمفترض أن ترتفع الأسعار بنفس النسبة إلا إذا كانت الحكومة تدعم هذه السلعة، وتتحمل هى فارق السعر، كما هو الحال فى سعر رغيف الخبز المدعم الذى تبيعه الدولة للمواطن المستحق بخمسة قروش، فى حين أن تكلفته الحالية قد تتجاوز الجنيه الكامل بمراحل.
أما النقطة الأصعب فهى أن الدولار الجمركى لم يعد سعره 16 أو 20 أو حتى 31 جنيهًا بل صار سعره يتحدد طبقًا للسعر الرسمى فى البنوك أى حوالى 50 جنيهًا، وبالتالى فإن الفارق الكبير سوف ينعكس على أسعار السلع خصوصًا المستوردة أو التى تدخل فى صناعتها المحلية مكونات مستوردة.
أما الملاحظة الأخيرة فإن الشرط المهم لكى تنخفض الأسعار هو أن يكون تدفق الدولارات للبنوك الرسمية مستمرًا ومنتظمًا، لأن الصفقات الأخيرة ستحل أزمات مؤقتة وعاجلة، لكننا نحتاج إلى استدامة تدفق الدولارات من مصادر ثابتة ومضمونة، حتى لا تتكرر الأزمات مرة أخرى، وبالتالى لا ترتفع الأسعار بصورة عشوائية، كما حدث فى الأسابيع الأخيرة.