بقلم - عماد الدين حسين
أخشى ما أخشاه أن يتحول الهدف النهائى للمشروع الأمريكى بإدخال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين بحرا عبر ميناء غزة أو «الممر البحرى العائم» إلى المساعدة فى تهجير الفلسطينيين طوعا أو كرها.
لا يوجد عاقل يعارض إدخال المساعدات للشعب الفلسطينى المنكوب فى قطاع غزة، من أى طرف حتى لو كان عبر الأطراف الداعمة للعدوان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، بل وحتى لو كان عبر إسرائيل نفسها. وبالتالى فلابد أن تقدر أى مساعدة تغيث سكان غزة فى مواجهة أسوأ وأبشع عدوان عرفه التاريخ الحديث. لكن من المهم أن نناقش ونفحص أى خطوة خصوصا إذا جاءت من أمريكا وإسرائيل وبالأخص حينما ترتدى مسوحا إنسانية!
صار واضحا للجميع أن الهدف الفعلى من العدوان الإسرائيلى هو تحويل قطاع غزة لمكان غير صالح للحياة ودفع سكانه للفرار والهجرة خارجه.
إسرائيل استخدمت سلاح التجويع بصورة سافرة منذ اللحظات الأولى للعدوان فى ٧ أكتوبر الماضى حينما قال وزير دفاعها يوآف جالانت: «لا ماء ولا غذاء ولا دواء ولا وقود ولا كهرباء لغزة» ولولا الإصرار المصرى بربط إدخال المساعدات بإخراج الرعايا الأمريكيين والأجانب ما دخلت المساعدات للقطاع.
إسرائيل تفتعل كل يوم العراقيل لمنع إدخال المساعدات أو تقليلها قدر المستطاع، بل وتقتل العزل كما حدث فى دوار النابلسى وهم فى انتظار المساعدات.
وبالتالى حينما تعلن إسرائيل أنها ستتعاون مع أمريكا فى تجهيز الميناء البحرى فى غزة لإدخال المساعدات إلى القطاع، فعلينا أن نقلق كثيرا.
الرئيس الأمريكى جو بايدن تحدث عن موضوع الميناء فى خطاب «حالة الاتحاد» يوم الخميس الماضى. وأمس الأحد أعلنت القيادة المركزية الأمريكية أن السفينة «الجنرال فرانك إس بيسون» غادرت قاعدة «لانجلى يوسيتس» فى طريقها لشرق البحر المتوسط، وأنها تحمل المعدات الأساسية لإنشاء الرصيف المؤقت خلال شهرين.
الفكرة الإسرائيلية الأمريكية هى أن تتجمع المساعدات والمقدرة بحوالى مليونى وجبة يوميا فى قبرص، وتقوم إسرائيل بفحصها بالكامل هناك، ثم تتجه إلى غزة، ويتم توزيعها عبر المنظمات الدولية طبقا لما صرح به المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى دانيال هاجارى.
نعود للهواجس، وظنى أن واشنطن لو كانت تريد مساعدة غزة فعلا، لضغطت - ببساطة - على إسرائيل لإيقاف العدوان، وبالتالى تنتهى المشكلة من الأساس لأن المساعدات مكدسة منذ شهور عبر الجانب المصرى من معبر رفح، ويمكن إدخالها من إسرائيل عبر ستة معابر مشتركة.
ظنى أن فكرة الميناء البحرى تهدف لتحقيق مجموعة من الأهداف. أولا الإيحاء للرأى العام الداخلى فى أمريكا خصوصا التيار التقدمى اليسارى فى الحزب الديمقراطى أن إدارة بايدن تسعى لتقديم المساعدات الإنسانية لغزة، وبالتالى دحض الاتهامات بأنها شريك أساسى فى العدوان، رغم أن البيت الأبيض لا ينفى انحيازه لإسرائيل، وآخر دليل على ذلك قول بايدن مساء السبت الماضى إنه لا توجد خطوط أمريكية حمراء تجاه إسرائيل فيما يتعلق بإمدادات الأسلحة للقضاء على المقاومة الفلسطينية.
وفى هذا الصدد فإن النائبة الديمقراطية فى مجلس النواب الأمريكى براميلا دجيابال تساءلت ساخرة: ما معنى إنزال المساعدات الأمريكية جوا على غزة ونحن أكبر ممول عسكرى لإسرائيل؟!!!
والطريف أن صناديق المساعدات الأمريكية التى تم إسقاطها جوا قتلت ٥ فلسطينيين وأصابت عشرة آخرين!!
الهدف الثانى هو محاولة تحجيم الدور المصرى الهادف إلى منع تصفية القضية الفلسطينية، والايحاء بأن أمريكا وإسرائيل سيدخلان المساعدات الإنسانية بعيدا عن مصر.
الهدف الثالث هو احتمال أن تكون الولايات المتحدة تسعى لتأسيس قاعدة بحرية عسكرية دائمة بالمشاركة مع حلف الأطلنطى لضمان ضبط ورقابة القطاع، والقضاء على أى حركات مقاومة فى المستقبل، ونتذكر أن هذه الفكرة تم طرحها فعلا حينما أثير النقاش عن سيناريوهات «اليوم التالى» فى غزة.
لكن أعود إلى ما بدأت به وهو الخشية أن يكون الهدف الجوهرى هو فتح طريق أمام تهجير الفلسطينيين، فحينما يتم التضييق عليهم إنسانيا وتجويعهم وقتلهم ومنعهم من العودة لبيوتهم، فقد لا يجد بعضهم حرجا من الخروج إلى قبرص ظنا أنهم سيعودون مرة أخرى.
ستبذل إسرائيل كل الجهود بالإغراءات والتهديدات لإقناع الفلسطينيين بالخروج عبر البحر إلى قبرص، بل وقد تقدم لهم الأموال، وربما الاتفاق مع دول أوروبية لاستقبالهم.
علينا أن نفكر بجدية فى هذا السيناريو الذى حاربته مصر برا منذ اللحظات الأولى، لكن يبدو أن إسرائيل ومن يدعمها لم تيئس من تنفيذه بحرا.