بقلم - عماد الدين حسين
جلسة «الدين العام.. الإشكاليات والحلول»، ضمن المحور الاقتصادى فى الحوار الوطنى ظهر يوم الثلاثاء الماضى كانت شديدة الأهمية والحيوية.
كانت هناك آراء متوقعة حسب مواقع ومناصب وانتماءات أصحابها، لكن الأمر لم يخلُ من مفاجآت ومواقف بدت غريبة.
الأستاذ أحمد حمدى قدم نفسه باعتباره ممثلا للحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، وقال كلاما اعتبره البعض غريبا. هو قال ما مجمله أن الدين العام المصرى ما يزال فى الحدود الآمنة وعلى المصريين ألا يقلقوا، وأن الدين الخارجى لا يزيد عن ٣٤٪ من الناتج المحلى الإجمالى، وأن أمريكا رفعت سقف الدين عشرات المرات، ومصر لم تتخلف مرة واحدة عن سداد ديونها، وتحظى بثقة غالبية مؤسسات التمويل والتصنيف الدولية.
كلام الأستاذ أحمد حمدى دفع المستشار محمود فوزى إلى مداعبته بقوله: هل أنت متأكد أنك فى الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى.. أريد أن أرى كارنيه العضوية؟!
فى هذه اللحظة طلبت الكلمة من نائب مقرر اللجنة الأستاذ طلعت خليل ونائب المقرر العام عبدالفتاح الجبالى، وقلت إن الحديث السابق قد يعطى انطباعا خاطئا بأن الديون المصرية لا تمثل أى مشكلة.
قلت أيضا إنه إذا كان رئيس الجمهورية يطالب الحكومة دائما بألا تستدين إلا للشديد القوى، وحينما يكون لدينا لجنة عليا للديون لضبط الديون والسيطرة عليها، فلا يصح أن يأتى ليقول للناس إن الدنيا ربيع والجو بديع وزى الفل. قلت أيضا إنه لا يصح أن نقارن بين حالتنا فى الديون وأمريكا لأن النموذجين مختلفان تماما، وأمريكا هى أكبر قوة اقتصادية فى العالم بحوالى ٢٣ تريليون دولار. كما أن تنسيب الديون إلى الناتج المحلى فقط أمر قد لا يكون دقيقا، لأنه فى هذه الحالة قد نجد الاقتصاد الأفغانى الطالبانى أفضل من اليابانى!!!.
طبعا كل الاحترام للأستاذ أحمد حمدى، وأنا لم أكن أناقشه شخصيا بل كنت أناقش أفكاره وكلامه. وكان طبيعيا أن يصدر الحزب المصرى الديمقراطى بيانا فى نفس اليوم يتبرأ فيه من كلام حمدى، ويؤكد على موقفه الرافض لسياسة الحكومة فى الاستدانة. ويكشف أن العضو اعتذر عما قاله.
لكن الذى كان أكثر لفتا للانتباه أن كلمة النائب مصطفى سالم وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب وممثل حزب مستقبل وطن الداعم الأكبر للحكومة كانت أفضل رد على مقولات أن الدين العام فى وضع آمن.
سالم قال إن الدين العام الخارجى والداخلى وصل فى نهاية مارس الماضى لنسبة ٩٥٫٩٪ من إجمالى الناتج والقومى بما قيمته ٩٫٤ تريليون جنيه فى حين أن الناتج القومى يبلغ ٩٫٨ تريليون جنيه، وهذا الدين يتأثر سلبا وترتفع قيمته مع كل رفع لسعر الفائدة، ومع كل انخفاض لقيمة العملة.
وقياسا على هذه القاعدة فإن الدين العام تضاعف وقفز بصورة كبيرة مع كل تحريك أو تعويم للجنيه المصرى.
هو قال أيضا إن ارتفاع الدين العام يؤدى لزيادة عجز الموازنة إذا لم يقابله وبنفس القدر زيادة فى الإيرادات، وهو ما يؤدى إلى ارتفاع معدل التضخم، وتراجع التصنيف العالمى للحكومة والبنوك المصرية وهو أمر سلبى للغاية.
مصطفى سالم قال كلاما صحيحا ودقيقا حينما أكد أن ارتفاع الدين هو مرض مزمن تعانى منه الموازنة منذ عشرات السنين ولكن تضاعف فى السنوات الأخيرة لأسباب كثيرة منها الانهيار المالى والاقتصادى الذى صاحب أحداث ٢٠١١، حسب وصفه وما تبعها من اضطراب سياسى وعدم استقرار أمنى ومواجهة الإرهاب. وكذلك وصول كافة مرافق البلاد والبنية التحتية لحالة من التردى عبر عشرات السنين مما استدعى الاقتراض لرفع كفاءتها وتحريك الاقتصاد وإيجاد فرص العمل، إضافة إلى الأزمات الدولية المتعاقبة من وباء كورونا إلى أزمة أوكرانيا وموجة التضخم العالمى وانسحاب الأموال من الأسواق الناشئة إلى أمريكا بعد رفعها سعر الفائدة.
كل ما سبق مثّل ضغوطا شديدة على الموازنة المصرية علما أنها ليست بالقوة التى تمكنها من مواجهة كل الضغوط مرة واحدة.
هذا ما قاله وكيل لجنة الخطة والموازنة المنتمى لحزب مستقبل وطن. وأظن أنه لا يمكن لأحد أن يزايد عليه فى هذه النقطة وكذلك ما قاله العديد من المتحدثين المحسوبين على الحكومة.
وبالتالى فليس من الحكمة ولا من المنطق أن يتحدث البعض عن أن الدين العام فى وضع آمن. ورغم أن هذا رأيه، لكنه باختصار سيبعث برسالة شديدة الخداع للناس، وللحكومة أيضا لأنه سيقول لها باختصار «اقترضى كما تشائين»، فى وقت يعرف الجميع حجم الضغوط غير المسبوقة التى تواجه الاقتصاد المصرى.