بقلم - عماد الدين حسين
كثيرون شككوا فى جدوى الحوار الوطنى منذ أن دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى إطلاقه فى ٢٦ أبريل ٢٠٢٢.
والآن: هل يراجع هؤلاء موقفهم بعد أن تمكنت ١٣ لجنة من تقديم توصياتها من بين ١٩ لجنة، ويفترض أن يكون مجلس أمناء الحوار الوطنى قد قام بتقديم هذه التوصيات إلى رئيس الجمهورية بعد أن يتم إقرارها بصورة نهائية؟
أطرح هذا السؤال لأن قناة اكسترا نيوز سألتنى عصر يوم الثلاثاء الماضى: كيف تمكنتم فى الحوار الوطنى من إنجاز هذا الأمر فى شهور معدودة؟!
الأمر ببساطة أن كثيرين انتقدوا الحوار الوطنى لأنه من وجهة نظرهم استغرق نحو عام كامل فى أمور تنظيمية وإجرائية.
لا أستطيع أن ألوم هؤلاء المنتقدين لأنهم لم يكونوا داخل مناقشات جلسات مجلس أمناء الحوار الوطنى طوال عام كامل تقريبا ليروا ما الذى حدث بالفعل طوال هذا العام.
معلوم أن أول اجتماع فعلى لمجلس أمناء الحوار الوطنى كان فى الأسبوع الأول من يوليو ٢٠٢٢، بعد نحو شهرين من المشاورات لاختيار المنسق العام ورئيىس الأمانة الفنية وأعضاء مجلس الأمناء.
وطوال الفترة من أول يوليو وحتى الأسبوع الأخير من أبريل الماضى عقد مجلس الأمناء أكثر من ٢٧ اجتماعا. الجلسات الأولى منه شهدت حالة من التشكك والتربص وغياب الثقة بين الأعضاء الذين جاءوا من مشارب فكرية وسياسية واجتماعية مختلفة. لكن مع مرور الوقت فى الجلسات حدث توافق إلى حد كبير بين غالبية الأعضاء. لا أقصد بالتوافق أن الجميع صار يؤمن بأفكار واحدة، وتلاشت الاختلافات السياسية بينهما، ولكن أقصد أن الجميع صار يتحدث بلغة سياسية راقية قائمة على التقدير والاحترام والتفهم والعذر فى إطار الاختلافات السياسية الطبيعية.
نعم طالت الاجتماعات وأصابت «المتعجلين» بـ«الطهق» وربما اليأس، لكنها أسست لقواعد صارمة فى إدارة النقاش اللاحق.
على سبيل المثال فإنه ما كان ممكنا أن تسير جلسات الحوار الوطنى الفعلية بالسرعة التى تمت بها لولا وجود قواعد تنظيمية حاكمة من أول طريقة طلب الكلمة ومدتها نهاية بقواعد النقاش والاحترام والتركيز على الموضوع وليس الشخصنة. ثم إن اللائحة ومدونة السلوك التى استغرق إقرارهما وقتا طويلا سهلا إدارة الجلسات.
ثم إن الموضوع الأهم الذى استغرق وقتا طويلا أيضا فى الجلسات التنظيمية كان اختيار مقررى المحاور الرئيسية ومقررى اللجان ومساعديهم، وكذلك المتحدثين أو المحاورين الأساسيين فى كل موضوع وملف وقضية، والتوازن بين مختلف القوى السياسية والخبراء.
تقديرى أنه كان هناك دور مهم للإدارة المرنة حينا والحازمة أحيانا من المنسق العام ضياء رشوان ورئيس الأمانة الفنية المستشار محمود فوزى وسائر أعضاء مجلس الأمناء الذين حرص بعضهم على حضور غالبية الجلسات العامة والمتخصصة أحيانا.
الوقت الطويل نسبيا فى التحضير للحوار الوطنى طوال العام الأول، لعب الدور الأكبر فى حسن إدارة جلسات الحوار، لدرجة أن بعض القضايا لم تحتج إلا لجلسة عامة واحدة فقط وأخرى متخصصة للوصول إلى التوصيات التوافقية.
فى وقت متأخر من مساء الإثنين الماضى أعلن ضياء رشوان أن ١٣ لجنة من اللجان الـ١٩ بالحوار الوطنى انتهت بالفعل من صياغة التوصيات والمقترحات الخاصة بموضوعات كل منها ورفعها للمقرر العام والمساعد لكل محور، وجارٍ تجهيزها لعرضها على اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطنى الذى انعقد فعلا أمس الأربعاء، حتى يناقشها ويقرها ثم يرفعها لرئيس الجمهورية ليتخذ ما يشاء حيالها من قرارات تنفيذية أو يحيلها لمجلس النواب لتحويلها إلى قوانين تشريعية.
وفى بيان رشوان كان هناك تحديد للجان التى رفعت توصياتها فى المحاور الثلاثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
طبعا سيقول قائل: ومن قال لك إن هذه التوصيات سوف يتم تنفيذها؟ الإجابة ببساطة أن رئيس الجمهورية وخلال مؤتمر الشباب الأخير قبل أسابيع فى برج العرب قد خاطب المستشار محمود فوزى بقوله إنه سوف يعتمد كل ما يرفع إليه من توصيات متوافق عليها بمجرد أن ترفع إليه.
طبعا من المنطقى أن ننتظر قليلا حتى يتم إقرار هذه التوصيات وتحويلها إلى قرارات أو تشريعات سوف يساهم بصورة كبيرة فى فتح المجال العام وإشاعة حالة من التفاؤل والأمل والأهم حل بعض القضايا الجماهيرية الملحة فى وقت نواجه فيه مشكلة اقتصادية شديدة الصعوبة داخليا وتحديات إقليمية ودولية غير مسبوقة.