خرائط البطون الرخوة

خرائط البطون الرخوة

خرائط البطون الرخوة

 العرب اليوم -

خرائط البطون الرخوة

بقلم - عبد الرحمن شلقم

بولندا كانت القداحة التي أشعلت الحرب العالمية الثانية. بعد سبعة وسبعين عاماً من نهاية تلك الحرب. طبول النار تقرع ذاتها، بالأصابع الحديدية نفسها. لكل زمن هتلره الفوهرر، وموسيلينه الدوتشي. قد تختلف ألوان الملابس، وأدرع التحيات، لكن ما في الرؤوس، ديالكتيك يعيد إنتاج المتفجرات، وخطوات بطة الزعامة العنيفة.
عندما أعلن هتلر في البرلمان الألماني، أن بلاده لن تطالب بأراض أخرى بعد اتفاق التهدئة مع فرنسا وبريطانيا بحضور الدوتشي موسوليني. عاد تشمبرلين رئيس الوزراء البريطاني إلى لندن، رافعا قبعته المستديرة، محييا مستقبليه وباعثاً برسالة إلى الشعب البريطاني يبشرهم بمستقبل السلام. هتلر قضم جزءا من جمهورية التشيك، وسكتت أوروبا وبادلته الأنخاب، لكنه قرر ابتلاع غدانسك البولندية، بالحجَّة ذاتها التي كانت الجسر المتمدد الذي يدفع فوقه قواته، وهو وجود شعب ألماني مضطهد في تلك الأقاليم التي تقع في بلدان أخرى. تقدمت قوات هتلر إلى بولندا بعدما وقع اتفاقية عدم اعتداء مع ستالين، وعلى تقاسم أراضي دولة بولندا. كانت هذه الأرض هي البطن الأوروبي الرخو الذي جعل البشرية تدفع قرابة ستين مليون ضحية في حرب ضربت الكرة الأرضية كلها.
اليوم تهز بولندا صرَّة أوروبا، الأرض والذاكرة الإنسانية، وتحرك الأسلحة، وتلد الأزمات المالية وأزمة الطاقة، وتدق أجراس الحرب التي لن تكون العالمية الثالثة، بل ستكون حربا دون رقم.
أوكرانيا التي تدور اليوم فوق أرضها أكبر وأبشع حرب شهدها العالم منذ قرابة سبع وسبعين سنة، ليست هي بيت النار، وإنما بولندا التي تشكل البرزخ الرخو بين فضاءين، الشرق والغرب.
في الحرب العالمية الثانية، زار رئيس الوزراء البريطاني تشرشل موقع العلمين بمصر حيث تتواجه قوات الحلفاء، وهي بريطانيا، مع قوات المحور وهي إيطاليا وألمانيا. قال ونستون تشرشل للماريشال مونتيغمري قائد القوات البريطانية: أريد ليبيا، وكرر الجملة بإلحاح عدة مرات. سأله مونتيغمري: لماذا تلح على الاستيلاء على ليبيا يا سيدي الرئيس؟ أجابه تشرشل: لأن ليبيا هي البطن الرخو للتمساح الأوروبي. بعد هزيمة قوات الجنرال رومل ثعلب الصحراء في العلمين، اندفعت القوات البريطانية من دون توقف حتى تونس. قال تشرشل رئيس الوزراء البريطاني بعد ذلك: لم ننتصر قبل العلمين ولم ننهزم بعدها. كان هتلر يريد السيطرة على قناة السويس المصرية، شريان الوقود والمال لبريطانيا، في حين أراد تشرشل ليبيا البطن الرخو الذي يمتد لمسافة ألف وسبعمائة وخمسين كيلو متراً أسفل ظهر التمساح الأوروبي الصلب.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هدفه الاستراتيجي بولندا وليس أوكرانيا، ليس بالضرورة الاستيلاء على أرضها، ولكن السيطرة على بطن أوروبا الرخو. لقد شهدت أوكرانيا أكبر المعارك دموية بين ألمانيا والاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية، لكن الانكسار الألماني بدأ في بولندا.
انهيار المنظومة الشيوعية في أوروبا الشرقية تأكد بعد حدثين مهمين هما؛ انهيار جدار برلين في ألمانيا، وانهيار الحزب الشيوعي في بولندا. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان شاهد عين وأذن وعقل على الحدثين. زعيم تأسس في كيان عظيم له سطوة وقوة محلية ودولية عابرة لحدود أرض روسيا الأم، ورآها تتآكل وتغادر حلبة القرار والفعل الدوليين. عمل مع بوريس يلتسن الرئيس الذي تولى زمام القيادة في روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. كظم غيظه وهو يشهد الهوان السياسي الذي آل إليه وطنه الذي باد بعد أن ساد. صمت حتى تمكن من الجلوس على كرسي القرار في الكرملين. بوتين هو السياسي والعسكري والأمني. وضع سياسة (قفزة الضفدعة). تدخل في جورجيا ونجح في تحقيق هدفه، من دون أن يواجه رداً حاسماً من القوى الغربية. قضم إقليم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، وكان الرد الدولي والغربي شفهيا عبر بيانات شجب ورفض لا أكثر. طور بوتين سياسته إلى تكتيك (قشرات البصلة) في أوكرانيا. أسالت القشرة الثانية من البصلة، الدموع الروسية دماً وقتلى وعقوبات غربية ثقيلة.
أوكرانيا هي معركة العلمين الثانية في حرب ليست فوق الرمال، لكنها على بطن سياسية رخو، بها نتوءات طويلة حادة عابرة للأرض والرؤوس.
الحرب العالمية الأولى، أنهت إمبراطوريات وخلقت دولا، أما الحرب العالمية الثانية فقد أسست عالما جديدا. تغيرت فيه الأسلحة والتكتلات والقوى الاقتصادية، وكذلك الأرض والناس. هناك كثير من الحقائق المضافة اليوم تفعل فعلها على أرض العالم.
الصين هي المدرسة التي أزالت سورها الصخري الطويل، وصارت المصنع والسوق الكبرى في العالم. أبدعت قوة من نوع جديد. قوة اقتصادية ناعمة، تسري في مفاصل الحياة البشرية بكل أصقاع الأرض، ترافقها قوة عسكرية رادعة، ترعب القريب والبعيد. سيكون لها القلم الضارب، الذي يرسم خطوط الطول والعرض فوق خريطة الزمن الدولي الجديد. طريق الحرير الصينية البرية والبحرية العالمية، ستكون السور الصيني العالمي الحريري، تحرسه قوة تبدع نفسها كل يوم دون توقف.
ما هي الأصقاع التي ستكون البطون الرخوة الجديدة؟ القوة الصينية هي من سيمتلك المسبار الذي يقيس ويحدد مدى صلابة بطون الأرض وظهورها، والأقدام القادرة على عبورها اقتحاماً أو تسرباً ناعماً.
العقلية الشوفينية الفردية عندما تحكم، تحقن أوطانها بسائل الوهن، فتحيل الأرض والرؤوس إلى تراب وبطون رخوة، وتصير الجغرافيا السياسية، الطابور الخامس أو حتى الخمسين الذي يغرس أزاميل الوهن في الأوطان. لماذا الصين؟
الأسود تركض طويلا خلف طرائدها، فتصطادها بعد أن تُرهق. تأتي الضباع وتخطف جثة الفريسة، وتركض بها بعيدا، وتكتفي الأسود المتعبة بالنظر والحسرة.
اليوم الجميع مرهق جراء الحرب الدائرة في وحول البطون الرخوة عسكريا واقتصاديا. أما الصين فهى الجَسور الحكيم، الذي سيفوز باللذة.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خرائط البطون الرخوة خرائط البطون الرخوة



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab