الهروب من سؤال المصير

الهروب من سؤال المصير

الهروب من سؤال المصير

 العرب اليوم -

الهروب من سؤال المصير

بقلم : عبد الرحمن شلقم

 

دخل العرب والمسلمون، الألفية الثالثة بتفجير غيّر مسار زمن جديد. في سنة 2001 استيقظ العالم على حدث هزَّ كل شيء. طائرات مدنية تخترق برجين في مدينة نيويورك، وتقتل آلافاً من المدنيين. المهاجمون مجموعة من الشباب المسلمين، تبين في ما بعد أنهم ينتمون إلى تنظيم إسلامي، يسمى «القاعدة»، ويتخذ من أفغانستان منطلقاً له. كان رد الفعل الأميركي، بداية لزلازل عسكرية وسياسية، طاولت المنطقة العربية كلها. الحرب الأميركية على «القاعدة» وإخوانها وأخواتها في أفغانستان، أنبتت أشجاراً متحركة من العنف، تلتف فوق رؤوسها عمامات متفجّرة، وتحمل أغصانها أوراقاً بألوان إسلامية متموجة. تعددت أسماء التنظيمات المسلحة، وتنوعت أماكنها ونشاطاتها. توالدت الحركات، وتزاحمت القيادات. القتل الفردي والجماعي، هو المحرك المشترك للعنف المقدس المندفع في أرجاء الدنيا. التطرف العنيف لم يكن وقفاً على العالم الإسلامي. أوروبا الغربية شهدت حركات إرهابية أرعبت الأنظمة السياسية والبشر. حركة البادر ماينهوف في ألمانيا، والألوية الحمراء الإيطالية، والفعل المباشر في فرنسا، لكن هذه الحركات الأوروبية، لم يكن وقودها الدين المسيحي، بل كانت جميعها تنتمي إلى اليسار المتشدد، وكذلك الجيش الأحمر الياباني. عبأت أوروبا قوة عقلها العلمي، واجتهد أساتذة علم الاجتماع والسياسة والأمن، لدراسة المحركات الآيديولوجية والنفسية والسياسية، التي دفعت مجموعات من الشباب إلى تبني العنف والإرهاب، لتغيير البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في أوطانها. الدراسات الجامعية، تناولت بتوسع تحليل ما حدث. وسائل الإعلام المختلفة في الدول الأوروبية، منحت مساحات واسعة للسياسيين والمفكرين والصحافيين، لمناقشة ما اعتبرته وباءً يهدد السلام الاجتماعي في كل أوروبا الغربية، التي تعيش ازدهاراً اقتصادياً، وديمقراطية وسيادة للقانون. في سنوات قليلة تراجع العنف والتطرف اليساري، ونجح الاشتباك العقلي العلمي العلني، في اجتثاث جذور ذلك الوباء الدموي. في العقد السابع من القرن الماضي، كانت الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي على أشدها، وأضافت الحرب الأميركية على فيتنام، حطباً إلى تلك الحرب التي هيّجت انفعالات الشباب في العالم. الحرب الأميركية على أفغانستان، كانت العاصفة التي أزالت جبال التراب عما دفنته السنون، في حفر الماضي السحيق. ارتفعت منه طفرة شجرة دم العنف القاتل. صار للشجرة فروع ظللت مساحات واسعة من المنطقة العربية، وامتدت لتطول بلداناً أخرى في العالم. «داعش» كان رحم النار، الذي ولَّد العشرات من الحركات المسلحة التي تعددت أسماؤها، وتضاربت أفكارها، وكل قادم جديد زايَد على من سبقه في حدة التطرف والتشدد العنيف. الدين الإسلامي كان الوقود المحرك لكل تنظيمات العنف على اختلاف أماكنها وأسمائها، ورموزها القيادية. الدين بكل معتقداته المختلفة في جميع شعوب الأرض، قوة دفينة مطمورة في أعماق النفس البشرية. تلك القوة تتحرك في داخلها، روافد صامتة لا يوقفها التغير والتطور، الذي تشهده مسيرة الحياة من العلم والفكر والثقافة المتجددة. الأديان جميعها السماوية وغيرها، تحمل في مخازن موروثها، جبالاً من الأفكار التي صكَّها مجتهدون ومفكرون وفقهاء وقساوسة ومتصوفة وغيرهم، اشتبكت مع زمن له حرارته السياسية والاجتماعية والعلمية. في تلك المخازن تكمن قداحات للحروب، كما تكمن فيها، تجليات تعايش وسلام، ومهامز للتطور والترقي. دخل العرب إلى الألفية الثالثة، بأقدام النار والدم التي تحدوها أناشيد الجهاد والصدام والقتل، وكراهية الآخر، في حين يندفع العالم الواعي، إلى عصر جديد، وقوده العقل والعلم والابتكار.

السؤال الغائب الذي يخاف الكثيرون من طرحه بجرأة وعلانية هو، لماذا لم يشتبك العلماء والخبراء ومراكز البحوث الاجتماعية، وغيرهم من قادة الرأي، مع ظاهرة الجهل الدموية، التي تتخذ من مخازن الموروث الميتة، ذخيرة تصبُّها في رؤوس الشباب الغافلين الجهلة، وتحوّلهم قنابل تفجر قوة المستقبل، وتصنع منه عبدة للقتل والدمار والكراهية؟ لقد تمكن العقل الأوروبي من القضاء على تنظيمات الإرهاب بسرعة، عندما عبَّأ قوة الفكر والعلم ووسائل الإعلام، لمواجهة ذلك الوباء الذي هدَّد الاستقرار والسلم الاجتماعي والأمن والرفاهية. لا مندوحة اليوم من ارتفاع الأصوات الجريئة، لمراجعة مناهج التعليم في كل المراحل التربوية، وتعبئة وسائل الإعلام المختلفة، من أجل قفل أبواب المخزن الظلامي الإرهابي. ما يزيد من هول الكارثة، أن تلك الوسائل الإعلامية، التي لها القدرة على إشعال مصابيح التنوير، صارت منصات تعبئة لأصوات الظلام، ودفع جيل الأمل إلى متاهات العنف والإرهاب والتكفير. ألم يحن الوقت لأن تصدر الدول العربية والإسلامية، قوانين تجرّم التكفير الذي يغلق كل أبواب التفكير، ويضع مصير المفكرين التنويريين حملة مشاعل ضوء المستقبل، تحت رحمة عبدة الظلام والتخلف والعنف والإرهاب؟ الهروب من الأسئلة المصيرية أو الخوف منها، يقود إلى سقوط مأساوي.

arabstoday

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

ترامب في البيت الأبيض... رجل كل التناقضات والمفاجآت!

GMT 14:33 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

شرور الفتنة من يشعلها؟!

GMT 14:21 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

الإسلام السياسي.. تَغيُّر «الجماعات» و«الأفكار»

GMT 14:20 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

مخيم جباليا الذي اختفى

GMT 14:19 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

يد العروبة من الخليج إلى المحيط

GMT 05:57 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

هل سيكفّ الحوثي عن تهديد الملاحة؟

GMT 05:56 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

برّاج في البيت الأبيض

GMT 05:54 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

المخرج الكوري والسعودية: الكرام إذا أيسروا... ذكروا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهروب من سؤال المصير الهروب من سؤال المصير



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 16:11 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أحمد الفيشاوي يعلق على خسارته جائزة "أحسن ممثل"
 العرب اليوم - أحمد الفيشاوي يعلق على خسارته جائزة "أحسن ممثل"

GMT 11:30 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 05:22 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

تحالفاتُ متحركة

GMT 05:57 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

هل سيكفّ الحوثي عن تهديد الملاحة؟

GMT 04:01 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 6 درجات يضرب تايوان ويخلف 15 مصابا

GMT 13:20 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

كريم عبد العزيز يتّخذ قراره الأول في العام الجديد

GMT 13:09 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

بعد 22 عاما محمد سعد يكشف سرّاً عن فيلم "اللي بالي بالك"

GMT 13:16 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

محمد منير يواصل التحضير لأعماله الفنية في أحدث ظهور له

GMT 08:47 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

جائزة هنا.. وخسارة هناك
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab