روسيا في عواصف تراب الصحراء الكبرى ونارها

روسيا في عواصف تراب الصحراء الكبرى ونارها

روسيا في عواصف تراب الصحراء الكبرى ونارها

 العرب اليوم -

روسيا في عواصف تراب الصحراء الكبرى ونارها

بقلم : عبد الرحمن شلقم

كان يوم 27 من الشهر الماضي، عنواناً حارقاً في صفحات كتاب دولة مالي الضخم. معركة بين قوات حركة أزواد الطارقية، وجيش مالي المدعوم بقوات «فاغنر» الروسية. دولة مالي التي وُلدت سنة 1960 بعد حصولها على الاستقلال من فرنسا، حملت أثقال الجغرافيا والتاريخ والأعراق والدين واللغة. بلاد تمتد فوق الصحراء الكبرى، في باطن أرضها الثروة، وفوق ظهرها الفقر المدقع. كان سلاطينها عبر التاريخ من المسلمين بعضهم من أصول عربية. شمالها يسكنه الطوارق والعرب، ومساحته تبلغ 1240192 كيلومتراً مربعاً، أي ما يعادل ثلثي مساحة البلاد، وسكانه قرابة المليون ونصف المليون نسمة. بدأت حركات تمرد الطوارق مبكراً بعد سنوات ثلاث من الاستقلال، تطالب بالاستقلال عن الدولة المركزية. في عهد الاستعمار الفرنسي، قاطع الطوارق والعرب المدارس الفرنسية، ورأوا فيها مراكزَ للتبشير بالدين المسيحي، واكتفوا بتعلم القرآن الكريم والفقه الإسلامي، ولم تُفتح أمامهم أبواب الانخراط في العمل السياسي والإداري في دولة الاستقلال. جرى تهميش منطقة الشمال ولم تنل نصيبها من التنمية. لا تتوقف حركات التمرد في إقليم أزواد، إلا لكي تشتعل بقوة، وعلى مساحات أوسع، وبمقاتلين أكثر وسلاح أحدث. في الأيام الماضية اجتاحت شمال مالي معارك ضارية، بين مقاتلي أزواد وقوات الجيش المالي المدعومة بكتائب «فاغنر» الروسية. عشرات القتلى من كتيبة «فاغنر» وأعداد كبيرة من الأسرى والجرحى، سقطوا من الجيش المالي وقوات «فاغنر»، وتمكنت قوات الطوارق من تدمير آليات روسية مختلفة. الجيش المالي تقهقر بعد أن فقد الكثير من جنوده بين قتيل وجريح وأسير، بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة في معداته. الجيش المالي ومعه قوات «فاغنر» قالوا إن عاصفة ترابية شديدة، أربكت رؤيتهم وشتّتت قواتهم؛ مما مكّن قوات الأزواد من الإجهاز عليهم وإلحاق الخسائر بهم. عواصف ترابية وقبلية ومجموعات إرهابية مسلحة، عابرة للحدود، تتحرك بقوة يحميها الرياح والتراب. المقاتلون الأزواد، يعرفون الصحراء كما يعرفون أطراف أجسادهم. يتنقلون على الإبل والحمير، أو سيراً على الأقدام، وعلى ظهورهم قِرب الماء الصغيرة والسلاح الخفيف. كانت الحرب على مدى سنوات طويلة جزءاً من حياتهم. لقد أرهق المقاتلون الجزائريون جيش الاحتلال الفرنسي في مفازات الصحراء وجبالها، وكذلك فعل المقاتلون الليبيون في مقاومتهم الطويلة للاستعمار الإيطالي. تراب الصحراء ورياحها قوة تقاتل.

منطقة الساحل والصحراء التي أعلنت ثلاث من دولها، مالي والنيجر وبوركينا فاسو، إنشاء اتحاد كونفدرالي بينها، تتهاوى عليها الضربات الثقيلة من المجموعات الإسلامية المتطرفة، التي تتمدد في أغلب بلدان الساحل والصحراء. كانت فرنسا هي القوة التي تقاتل المجموعات المتطرفة المسلحة، وتقدم الدعمَين المالي والعسكري لحكومات هذه الدول، وتغطي عملتها فرنك السيفا، لكن بعد الحركات الانقلابية الأخيرة، قطعت هذه الدول الحبل السري التاريخي الذي ربطها مع فرنسا وتوجهت نحو روسيا. معركة شمال مالي، هي الصدام المسلح الأول بين القوات الروسية وقوات أزواد، وكانت النتيجة صدمة كبيرة للروس. فماذا سيكون المخطط التكتيكي والاستراتيجي القادم لـ«فاغنر» في المنطقة؟ هل ستنسق روسيا مع الجزائر للقيام بدورها المعتاد، وهو جمع الخصوم على مائدة الحوار؛ من أجل تحقيق ما يمكن تحقيقه من السلام على الأرض، أم ستندفع روسيا عبر مجموعة «فاغنر» نحو تصعيد المواجهة العسكرية للقضاء على ثوار الأزواد؟ لقد لعبت الجزائر مرات عدّة أدواراً في ترتيب تفاهمات بين حكومات مالي المختلفة وثوار الطوارق. آخر اتفاق بين الطرفين كان في سنة 2015، وأعطى نوعاً من الحكم الذاتي لمنطقة شمال مالي. لكن هذا الاتفاق حمل في أحشائه، عبوة تفجيره. في داخل جماعة الطوارق هناك تيار قوي، يصرّ على الانفصال عن دولة مالي وإقامة دولة قومية مستقلة للطوارق في الشمال، ومن جهة أخرى دبَّ الخلاف داخل الحكومات المالية المتعاقبة، حول اتفاقية الجزائر. قامت حكومة الانقلاب الأخير سنة 2020 بإلغاء اتفاق الجزائر؛ مما أشعل حرب الشمال مرة أخرى.

التدخل العسكري الروسي المباشر في الحرب الأخيرة في شمال مالي، قد يكون القداحة التي تشعل معارك واسعة وعابرة للحدود في الصحراء الكبرى. مقاتلو «القاعدة» لهم وجود قوي في كل المنطقة، وكذلك مجموعات «داعش» التي اتحدت مع مجموعة «بوكو حرام» في نيجيريا، والمجموعات الإسلامية المتطرفة التي برزت في الكونغو المفككة، وفي جمهورية موزمبيق. ترتفع أصوات الخبراء والمراقبين محذرين من نشوء شبكة اتصال بين هذه القوى الإسلامية المتطرفة عبر القارة الأفريقية، وخصوصاً في منطقة الساحل والصحراء. الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي تراجعا عن لعب دور فاعل في منطقة الساحل، خصوصاً في مقاومة المجموعات المتطرفة، ودعم الجيوش الوطنية، والاتحاد الأفريقي لا يمتلك قوة عسكرية قادرة على التدخل لكبح جماح المجموعات المتطرفة. الاضطرابات والحروب الأهلية أرهقت كثيراً من دول القارة. القادم العسكري الجديد روسيا، هل يستطيع مواجهة عواصف أفريقيا الترابية، ونار اللثام الأزرق المتفجر؟

 

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا في عواصف تراب الصحراء الكبرى ونارها روسيا في عواصف تراب الصحراء الكبرى ونارها



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان
 العرب اليوم - الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab