«ويلٌ للمهزوم» وويلٌ للمنتصر

«ويلٌ للمهزوم»... وويلٌ للمنتصر

«ويلٌ للمهزوم»... وويلٌ للمنتصر

 العرب اليوم -

«ويلٌ للمهزوم» وويلٌ للمنتصر

بقلم : عبد الرحمن شلقم

الحرب رافقت الإنسان، منذ بداية مسيرته الطويلة. يوم صنع هذا الإنسان المنجلَ الذي يقطف به الثمار ليحيا، صنعَ السيفَ الذي يقطع به رؤوسَ أعدائِه الذين في أيديهم السلاح ذاته، وللغاية نفسها. الخوف والطمع محركان لغريزة الوجود والحياة، الصائد والطريدة. لم تكن المنازلةُ بين الإنسان والحيوان فحسب، بل كانت بين البشر أيضاً. كلما تقدمت وسائل التطور، في صناعة أدوات الحياة، كانَ تطورُ معداتِ القتل الصنوَ الدائمَ لها. تقاتلتِ القبائلُ البدائيةُ، على مواردِ المياه، وأراضي الرَّعي. الحروب ترعرعت في العقول، كما ترعرعت الاختراعات والاكتشافات. منذ حربِ الإسكندر الأكبر العالمية، التي اجتاحت فيها جيوشُه مساحات واسعة من الدنيا، صارتِ الجيوشُ القوةَ التي ترسم خرائطَ الوجود البشري. قبائلُ آسيا الوسطى من المغول والتتار، غيَّرت مسارَ التاريخ والجغرافيا في منطقة الشرق الأوسط. الصينيون واليابانيون، لم تغبِ الحربُ بينهم على مدى عقود طويلة، ولا تضع الحرب أوزارَها، إلا لكي تشتعل. الحروبُ الدينية صنعت عالماً جديداً، في أغلب قارات العالم. الحروب الأهلية التي تنفجر بين أبناء الأمة الواحدة، هي الأشد قساوة، والأبشع في ضراوتها، وقلما نجت منها أمة من الأمم، في الزمن القديم والحديث. الحربُ بين أمةٍ وأخرى أو دولة وأخرى، تقوّي اللحمةَ الوطنية لكل منهما، في حين تزرع الحروب الأهلية غابات العداوة، التي تتحول حطباً يذكي نيران الكراهية، ويوسع حلقات الانتقام. تتمزق الوشائج الاجتماعية، وتتكسر منظومات القيم، وتتفكك الروابط التي تصنع أحزمة الكيان الوطني.

الحروب الدينية كانت لها عبر العصور، شعارات يختلط فيها الديني الغيبي بالمصالح والمخاوف والأطماع. الحروب الصليبية التي استمرت عقوداً طويلة، بين المسلمين والمسيحيين الغربيين، قيل عنها الكثير، لكنها كانت صراعاً بين قوى، لكل منها مخاوف وأطماع. حرب المائة سنة بين الكاثوليك والبروتستانت، كان كل طرف يعتقد أنه يدافع عن المعتقد الديني المسيحي الصحيح، ضد مهرطق منحرف. المسلمون قبلهم تقاتلوا في معارك، كانت أولها وأكثرها دموية، معركة الجمل، وكان لها ارتدادات استمرت سنوات. أوروبا كانت أرضَ الحروب الطويلة الكبيرة، من حروب نابليون بونابرت، التي اجتاحت فيها جيوشه أوروبا، إلى أن وصلت إلى أميال من موسكو عاصمة روسيا. قاد نابليون مئات الآلاف من الجنود، هلك أغلبهم قتلاً وجوعاً ومرضاً، ولم يعد منهم إلى فرنسا، إلا آلاف قليلة. كان القرن العشرون، قرنَ الحروب الدامية الرهيبة. من الحرب العالمية الأولى، التي قُتل فيها قرابة عشرين مليوناً من البشر، إلى الحرب العالمية الثانية، التي أشعلتها ألمانيا، وكان قداحتها أدولف هتلر، ومعه بنيتو موسوليني الزعيم الفاشي الإيطالي، وانضمت إليهما الإمبراطورية اليابانية، وقُتل فيها أكثر من خمسين مليون إنسان. تطورت الآلة العسكرية بتقنية، لم يشهدها العالم من قبل. الدبابات الضخمة والمدفعية طويلة المدى، والطائرات المقاتلة المحملة بالقنابل الثقيلة. كان هدف هتلر السيطرة على أوروبا، والاستيلاء على الثروة الزراعية الهائلة في أرض روسيا الواسعة الخصبة، وخاماتها ونفطها. كانت المذابح الرهيبة غير المسبوقة، والحصار والتجويع والأسر لملايين الجنود من الطرفين، الألماني والسوفياتي. بعد استيلاء ألمانيا على فرنسا، هرب مئات الآلاف من الجنود الفرنسيين والبريطانيين، من دنكرك إلى بريطانيا. وتواجه الحلفاء والمحور في معارك العلمين. في جميع تلك الحروب، خسرت أطرافها الملايين من القتلى، وعمَّ الدمار في أراضي الجميع. المنتصرون والمهزومون، دفعت شعوبهم الملايين من القتلى، وعانت أوطانهم، هول الدمار.

ويلٌ للمهزوم. قول نُسب إلى الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر. آنذاك كانت الحروب، غير الحروب، وهناك من تصدق عليه كلمة المنتصر، ومن يصدق عليه تعبير المهزوم. بعد الثورة الصناعية الكبرى، واختراع الأسلحة الآلية، والذخائر المنطلقة من الدبابات الضخمة، والمدافع، والقنابل الملقاة من الطائرات، وتقنية الرادارات، ومعدات التجسس، خسر المنتصر، كما خسر المهزوم. تمكن هتلر من هزيمة فرنسا الإمبراطورية القوية، في أقل من شهرين، واندفع في أراضي الاتحاد السوفياتي في اختراق سريع كاسح، وحاصر مدناً تسكنها الملايين، وأسر جيوشاً سوفياتية كاملة، ورأى قادة جيشه قباب قصر الكرملين، واحتفل بانتصاراته الباهرة، وهلل وزير دعايته غوبلز، لعبقرية الفوهرر الملهم، وكانت النهاية، دخول قوات الحلفاء إلى عاصمة الرايخ الثالث، وانتحار الزعيم الملهم مع زوجته، وبقربهما صوت دعايته غوبلز، منتحراً مع زوجته وأولاده. أما الزعيم الإيطالي الدوتشي موسوليني، الذي حلم بتقاسم غنائم النصر، مع تلميذه وحليفه هتلر، فقد عُلّق مع عشيقته مقتولاً في مدينة ميلانو. هل يمكن القول اليوم، ويلٌ للمهزوم، وويلٌ للمنتصر؟

القنبلة الذرية، اختراع صنع به الإنسان، نار نهايته وألغى مقولة يوليوس قيصر «ويلٌ للمهزوم». سيحتفي الجميع بنصر النهاية وهزيمتها. لم نعد نستغرب شيئاً. ماذا كان سيحل بالبشرية، لو تمكن شاويش موتور، أدولف هتلر من امتلاك قنبلة ذرية، وهو الذي قتل نفسه في يوم عرسه؟ من يدري، هل يبقى على وجه الأرض، من يعيد صياغة ما قاله يوليوس قيصر؟

 

arabstoday

GMT 06:05 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

صحافة... وسمك وبطاطا

GMT 06:04 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

ممنوع الاقتراب والتصوير والتفكير

GMT 06:02 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

منع الشطط في مسألة القطط

GMT 06:00 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

الديمقراطية... الرأي الآخر!

GMT 05:58 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

تكهنات ليختمان... بين الاحتمالات والمتغيرات

GMT 05:54 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

إيه هى السعادة؟

GMT 05:52 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

مسألة فيها نظر

GMT 05:50 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

إنها المسؤولية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ويلٌ للمهزوم» وويلٌ للمنتصر «ويلٌ للمهزوم» وويلٌ للمنتصر



ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:13 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

"ارتفاع مقلق" بوفيات جدري القردة خلال أسبوع واحد

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 13:04 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

محمد حماقي يعلن شروطه لدخول عالم التمثيل

GMT 12:12 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

تشيلسي يربط السنغالي نيكولاس جاكسون حتي عام 2033

GMT 15:24 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

موجة طقس سيئ تضرب النمسا وترقب فيضانات عارمة

GMT 04:53 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

وفاة الفنانة ناهد رشدي بعد صراع مع المرض

GMT 22:01 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

المؤلفون غير البيض يشعلون شغف الطلاب بالقراءة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab