ماكرون وإردوغان السياسة تخطف الأديان

ماكرون وإردوغان... السياسة تخطف الأديان

ماكرون وإردوغان... السياسة تخطف الأديان

 العرب اليوم -

ماكرون وإردوغان السياسة تخطف الأديان

بقلم - عبد الرحمن شلقم

حادثة قتل الأستاذ الفرنسي بسكين الشاب الشيشاني لا تزال حرائقها تمتد فوق مساحات كبيرة، وتتسع كل يوم. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أجج اللهب عندما قال مؤبناً القتيل إننا سنستمر في نشر الكاريكاتير الذي عرضه القتيل على تلامذته، وأدى إلى قتله. واعتبر ماكرون أن ذلك من صلب العلمانية الفرنسية، ومن ثوابت مبادئها التي تعتمدها الجمهورية الفرنسية. في هذه الموجة من التراشق الناري بين السياسيين والإعلاميين وشرائح واسعة من الناس، نقول إن ما يطفو اليوم على منصات السياسة ومحركات الرأي العام هو من الظواهر التي رافقت البشر في مناكب الدنيا في كل العصور. السياسيون كثيراً ما يستخدمون الدين حطباً لوجباتهم الانتخابية، وفي مضمار سباقاتهم مع خصومهم التي يستخدمون فيها الدين والناس والاقتصاد خيولاً من أجل أن يكون لهم قصب السبق. لا يختلف اثنان، أو يتناقر ديكان، على أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عندما قال ما قال، وهو يؤبن الأستاذ صامويل باتي، قد زرع في حقل خطابه بذوراً سياسية آملاً أن تبزغ أوراقها في حملته الرئاسية القادمة أمام زعيمة اليمين الفرنسي ماري لوبان، التي تقتات سياسياً على الآخر الذي ترى فيه تكويناً مرهقاً للهوية الفرنسية النقية.
الانتخابات في الدول التي يحكمها النظام الرئاسي، لها مسارات ولغة صراع سياسي تختلف عن تلك التي تحكم بأنظمة برلمانية. الرئيس يتقدم هو شخصياً قافلة المواجهة فوق حلبة مفتوحة على كل أنواع الصراع.
حادثة قتل الأستاذ الفرنسي، والطريقة التي تمت بها، وخليفة دوافعها، جعلت منها مادة سياسية صاعقة لها لون وطني هز البلاد الفرنسية كلها. قد يرى الكثيرون، بمن فيهم بعض الفرنسيين، أن الرئيس ماكرون رفع سقف المواجهة مع الإسلام وبلغة لا تخلو من الاستفزاز. انطلقت ردود الفعل على ما جاء في خطاب الرئيس ماكرون في أغلب الدول الإسلامية شعبياً ورسمياً، كان لها درجات مختلفة. الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية لقيت صدى واسعاً في بعض البلدان، وأطلقت وسائل التواصل الاجتماعي سطوراً حروفها تعبر عن الغضب، وعلقت المؤسسات الدينية الإسلامية على ما صدر عن الرئيس الفرنسي بأصوات جمعتها نبرة الإدانة الغاضبة.
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اندفع في وجه الرئيس ماكرون وكأنه أراد الاصطدام به جسدياً، وكال له عبارات منزوعة القشرة السياسية والدبلوماسية، وكاملة دسم الغضب الثقيل.
إردوغان وصف ماكرون بالرجل الذي يعاني مشكلات صحية ونصحه بالذهاب إلى طبيب نفساني. وأضاف إردوغان الكثير في سياق رده على ما صدر عن الرئيس الفرنسي، وكان بمقدور الرئيس إردوغان أن يضع وسط عباراته كلمات موجهة إلى الشعب الفرنسي تؤكد على يقينه بأن الفرنسيين شعب يفرق بين الإسلام الحقيقي وما يقوم به فرد لا يحسب على الإسلام، وقيمه، ولا يمت بصلة إلى نبيه الذي جرى التطاول عليه بصورة تعبر عن الجهل والكراهية. لا شك أن جموع المسلمين يتفهمون محرك ثورة الرئيس التركي وغضبه الحاد ورده المشتعل على الرئيس الفرنسي. لكن هناك الكثير من الأساليب والألفاظ التي يمكن أن تكون أحجاراً للبناء تصنعها كلمات السياسيين. كان بإمكان الرئيس ماكرون، وهو يقول سنستمر في نشر الكاريكاتير، أن يضيف أننا نعرف قيمة النبي محمد، ونحترم كل الأديان، وأن حرية التعبير لا يحكمها إلا القانون. في فرنسا، كما في مثل غيرها من الدول، القوانين تجرم السب والقذف والتشهير، وتجرم التحريض على الفتنة والعنف والكراهية، وقد منعت السلطات البريطانية برلمانياً هولندياً من دخول أراضيها، لأنه يحرض على الكراهية.
القادة هم عقل الشعوب، ولهم لغتهم التي يمكن أن نسميها اللغة الثالثة التي تختلف عن تلك التي تستعملها وسائل الإعلام والمهيجون السياسيون في صخب الحملات الانتخابية والمدونون على مواقع التواصل الاجتماعي. استخدام الدين في مد السياسة وجزرها يضر بالدين والسياسة، البعد الروحي وأثره لا يغيبان عن الإنسان في كل مكان وزمان، ومقاييسه غير تلك التي تحسب بها قفزات السياسة. السيدة سلين متى قاضية لبنانية مثل أمامها شباب لبنانيون مسلمون بتهمة الإساءة إلى السيدة مريم العذراء، والقانون اللبناني يعاقب على ازدراء الأديان بالسجن. القاضية اجتهدت، وبعقلية مبدعة، اجترحت حكماً فريداً بعيداً عن نصوص القوانين، وطلبت من المتهمين حفظ سورة «آل عمران» شرطاً لإطلاق سراحهم. ذلك كان حكماً تربوياً وليس عقابياً. ما قامت به القاضية إبداع غير مسبوق صار حديث الناس، ووجد قبولاً ومباركة من الجميع تقريباً، وقدم نموذجاً للاجتهاد القضائي الذي يحقق تربية تعلم الشباب ما لا يعلمون، وتبث قيم احترام الأديان، وتكرس مشاعر الوطنية التي تجمع شرائح المجتمع بما يوحدهم. العالم أصبح اليوم قرية صغيرة، بل غرفة واحدة، بحكم تداخل مصالح البشر في كل الدنيا، ومطرقة جائحة «كورونا» يجب أن تكون درساً للجميع، حيث طالت كل بلدان الدنيا، وغيرت أنماط الحياة، وصار الناس جميعاً يبحثون عن ترياق ينقذهم من هول غاشم يهدد الجميع من دون تفريق بين البشر. السياسيون، تحديداً القادة، مهمتهم حل المشاكل لا تأجيج لهبها، ودائماً هناك بين بني البشر ما يجمعهم، والاختلاف بين الناس حقيقة أزلية وأبدية، وقد جاء في القرآن: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ»، (هود 118).

 

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماكرون وإردوغان السياسة تخطف الأديان ماكرون وإردوغان السياسة تخطف الأديان



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 العرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:36 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 10:02 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نقل عدوى لبنان إلى العراق

GMT 06:33 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ثلاث دوائر

GMT 08:28 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

منة شلبي توجّه رسالة شكر لجمهور السعودية بعد نجاح مسرحيتها

GMT 06:46 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العلاقات التركية السورية تاريخ معقد

GMT 07:12 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 23:47 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا يعين الأميركية جيل إليس رئيس تنفيذى لكرة القدم

GMT 01:25 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وفاة 143 شخصًا بمرض غامض في الكونغو خلال أسبوعين

GMT 10:21 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

"أرامكو" السعودية توقع اتفاقية مع شركتين لاستخلاص الكربون
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab