منارة لندن للثّقافة العربيّة

منارة لندن للثّقافة العربيّة!

منارة لندن للثّقافة العربيّة!

 العرب اليوم -

منارة لندن للثّقافة العربيّة

بقلم: محمد الرميحي

  عرفت كلاً من السيدة المرحومة مي غصوب والسيد أندره كاسبر في أوائل الثمانينات من القرن الماضي في لندن، بعد إنشاء مكتبة "الساقي" العربية في تلك المدينة الصاخبة، وأصبحت معرفة صداقة وعمل في عدد من المشاريع الثقافية.
 
كان مقر المكتبة، أو الحجرة الملاصقة لها على وجه التحديد، مقراً للقاءات فكرية وثقافية في مرحلة عربية صعبة تموج بالمتغيرات السياسية. كانت حرب لبنان الأهلية قد انتهت للتو، وبدأت حوادث العلاقات مع إسرائيل تتوالى في الطريق إلى الصلح، وكانت لندن وقتها مكاناً للمهاجرين والمهجرين العرب الكثُر الذين يحملون همومهم في الوطن البديل أو الموقت.
 
أتت المرحومة مي غصوب (توفيت عام 2007) من خلفية نضالية ومشاركة نشيطة في حرب أهلية عرفت بعدها أنها حرب عبثية، فقامت بدافع إنساني، وهي المارونية، بإنشاء مستوصف للفقراء المسلمين في أحد أحياء بيروت القديمة بعد الحرب الأهلية. بذلت طاقتها متجهة بذلك إلى العمل الإنساني، ثم تحولت تلك الطاقة إلى مكان اعتقدت أن له أهمية قصوى في الطريق إلى الاستنارة، وهو نشر الثقافة والحداثة باعتبارهما الرافعة للخروج من المأزق الحضاري الذي مزق الأوطان العربية، وبخاصة وطنها.
 
وجدت أن خير ما تنتفع به أمتها العربية هو الثقافة المستنيرة، فأنشأت مع رفيقها أندريه كسبار تلك المكتبة الصغيرة التي توسعت في مقرها الأخير في "26 وستبورن غروف" في لندن الذي أصبح عنواناً للزائر العربي المهتم بالثقافة، حيث يجد الكتب الصادرة في بيروت والرباط والقاهرة والخليج. كان مشروعاً ثقافياً ولم يكن تجارياً، إلا أن عواصف التغيير ألمّت بهذا المشروع النبيل، فأُعلن أخيراً عن إقفال ذلك الصرح الثقافي بعد ازدهار وتألق.
 
الخسارة فادحة في ملف الثقافة العربية التي هي أحوج اليوم من أي فترة ماضية إلى أن يكون لها تمثيل في العاصمة البريطانية التي تكاد تصبح عاصمة عربية، ليس في بعض المواسم، ولكن في كل المواسم.
 
أخذت "ساقي" لندن على عاتقها المهمة الصعبة، وهي تجسير الفجوة بين الثقافة العربية والثقافة الغربية، فترجمت من العربية كتباً مهمة إلى لغات حية، منها الإنكليزية، وترجمت من الأخيرة إلى العربية، فقدمت زاداً ثقافياً مشهوداً، كما اهتمت بنشر الأعمال للأصوات الشابة ذات المنحى الحداثي، والتي ضاقت بها بعض أوطانها فساهمت مساهمة متميزة في إغناء الثقافة، كما شاركت في معارض الكتب العربية على امتداد الساحة.
 
في فترة كلفت "مؤسسة البابطين الثقافية" كاتب المقالة بإصدار سلسلة من الترجمات للكتب الصادرة بالإنكليزية وذات الانتشار الواسع في لغتها إلى اللغة العربية، فكان بالطبع اللجوء إلى الأخوين مي وأندريه لإكمال المشروع، وهكذا أصدرنا عدداً من الكتب المترجمة بالتعاون مع هذه المؤسسة الثقافية، وكان عددها اثني عشر كتاباً احتفلنا بإنهائها كسلسلة في مقر الصحافيين في بيروت وقتها عام 2005، ولولا وجود "الساقي" وتجربتها في النشر لربما لم تر تلك السلسلة من الكتب النور.
كما قام الناشران مشكورين بنشر بعض أعمالي الثقافية، سواء باللغة العربية أم بالإنكليزية.
 
لندن عاصمة مهمة للثقافة، ومع الصحوة العامة للاعتناء بالثقافة على مستوى واسع في الدول العربية، فإن إغلاق فرع حيوي لها يجلب الحزن، في الوقت الذي تزداد ثروة العرب النسبية ويتعاظم الاهتمام بالثقافة في عواصم عربية عديدة، كما يتكاثر المثقفون العرب، ومنهم من هو في مكان اتخاذ القرار.
 
لم أكتب ما تقدم لأبكي على الحائط وأندب الحظ العاثر لمشروع "الساقي" فرع لندن وللثقافة العربية، بل بقناعة بأن العاصمة البريطانية يجب ألا تترك من دون معلم ثقافي عربي يحمل الاستنارة والهمّ العربي، لذلك فإن اقتراحي للإخوة في "الساقي" التفكير في حملة تبرعات على مستوى الوطن العربي يساهم بها الميسورون من محبي الثقافة ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، بعد أن يحددوا حساباً دولياً في إحدى المؤسسات المالية يقومون بإنشائه لتصب فيه التبرعات، وقد يساعد الجسم الثقافي العربي من المغرب إلى الخليج في القيام بواجب مساعدة إعادة هذا المشروع إلى العاصمة البريطانية، ولو على شكل مكان صغير في أحد المجمعات الكبيرة، حتى لا ينقطع القارئ العربي في المهجر عن ثقافته، وبخاصة الجيل الجديد، ويجد العربي الزائر مكاناً ثقافياً يجد فيه ضالته من الزاد الفكري.
 
ذاك اقتراحي الإيجابي الذي أرجو أن يأخذه الزملاء في "الساقي" عملياً، لأن قناعتي بأن هناك من المهتمين العرب، سواء من المنشغلين بالثقافة أم بالشأن العام، من لديهم الاستعداد والقدرة على المساهمة في هذا المشروع، على أن تصحب ذلك حملة ترويجية للمشروع مستمرة ومتواصلة.
 
لو قدر لكل مهتم أن يساهم بالقليل لأصبح ذلك القليل كثيراً، إنه مشروع وطني عربي عام يستحق أن يُجرب ويتابع، ومني إلى الزملاء في "الساقي" والذين لا أعتقد أن الريادة تنقصهم أخذاً بروح المرحومة المؤسسة مي غصوب.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منارة لندن للثّقافة العربيّة منارة لندن للثّقافة العربيّة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab