العيب فيكم

العيب فيكم...

العيب فيكم...

 العرب اليوم -

العيب فيكم

بقلم - محمد الرميحي

الجبن سلوك ممجوج في الإنسان السوي، وأسوأ أشكال الجبن هو جبن من يدّعي الثقافة في نقد السياسيين، فالسياسيون عامةً، إلا القلة، صناعتهم الكذب على الناس، والسكوت عن فضح الكذب ليس خطأً بل خطيئة. تكتيك الكذب لدى السياسي يؤدي غرضاً له، هو تضييع الحقيقة أولاً من أجل تغييب العدالة المطلوبة من الناس ثانياً.

أمثلة على ما أجمل:
انتشر في الأيام الماضية على وسائل الاتصال الاجتماعي بالصوت أو الصورة، قول أحد السياسيين العراقيين (المعممين) إن المسؤولين العرب يسألونه أينما حل، "كيف نجحتم هذا النجاح في تطوير العراق؟" تطوير العراق؟ أين حدث هذا وما هي دلائله ومتى؟ طبعاً ذلك الكذب يدخل في مكان التزييف والضحك على الذقون المستسلمة، رغبة في إخضاعها لقبول الواقع المزري الذي يعانيه المواطن العراقي.

وفي مكان قريب هو الكويت، يصرح أحد الوزراء بالقول "نريد أن نعيد تجارب الصحابة في التجارة، وبخاصة تجربة عثمان بن عفان"! هل يخاطب الرجل أناساً عقلاء في هذا الكون، وكيف يستمع بعضهم إلى مثل هذا القول من دون أن يرف له جفن في مجلس منتخب يفترض أن فيه بعض الأذكياء؟ إن كان ما نسب إليه صحيحاً، ولو أني لم أقرأ تكذيباً حتى كتابة هذه السطور، لأنه نشر بالصوت والصورة!

الخلط الذي يتم بين التفكير الديني والفعل السياسي أراه متمثلاً بكثير من الوقاحة في ديباجة بيان مجلس قيادة الثورة العراقي صبيحة يوم غزو الكويت المشؤوم، ونحن في هذه الأيام نتذكر ذلك الفعل الشائن. وقتها ظهر المذيع العراقي ذو الشارب الكث (تيمناً بشارب رئيسه) والصوت الجهوري، يشدد على كل كلمة ينطق بها، ومما قاله "أيها الإخوة المواطنون ... بل نقذف بالحق على الباطل .. فيدمغه فإذا هو زاهق"، استخدم كلمات من التراث، ويسير البيان فيردد بصوت عال ".. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر ..." مستنهضاً الشعور الديني من نظام يقول عن نفسه إنه علماني! ثم يسير البيان إلى أن بقول "أيها الشعب العراقي العظيم .. يا درة تاج العرب!!" انتظر "تاج العرب" يعني أنتم خير العرب!! و"عقال رؤوسهم"!! ... ثم يقول ... وأطاح حكمهم "فتية آمنوا بربهم"، من جديد استخدام الموروث الديني ... وقد "ناشدوا القيادة في العراق تقديم المساعدة .."! وقد "قرر مجلس قيادة الثورة الاستجابة لطلب الحكومة الحرة" !.. و"سننسحب حال ما يستقر الحال"! كل ذلك الغث كان مصدقاً من البعض وربما الكثرة .. وهكذا نرى كذباً علنياً صراحاً.

البيان مليء بالزعيق وبالاستشهاد بالتراث والعبارات القرآنية ... ومليء حتى الثمالة بالكذب ...

ضربت فقط بعض الأمثلة التي يتبعها الساسة في "الضحك على ذقون الناس" في الصغيرة التافهة وفي الأمر الجلل، كاحتلال دولة وتشريد شعب .. من أجل تخدير الشعوب وقلب ميزان العدالة .. وتعود بعض القوى السياسية العراقية هذه الأيام (بمناسبة محاولة إكمال ترسيم الحدود) إلى عزف المعزوفة النشاز نفسها تقريباً!

الفكرة هنا كيف يمكن أن يستقل التراث (كمثل حديث رجل معمم) من المفروض كما يتصور العامة أنه ينطق بما هو عاقل، وليس بما هو خارج العقل كما حدث، أو رجل سياسي يعرف في الحد الأدنى من الاقتصاد الحديث، وأن سيدنا عثمان لم تكن له نظرية في التجارة الدولية أو الاقتصاد الحر أو تفعيل القطاع الخاص! أما بيان مجلس قيادة الثورة فهو الفضيحة التي لا يصدقها حتى متخذ القرار في بغداد وقتها، وأن ذلك التدبيج الكلامي المنمق (في الغالب كتبه طارق عزيز) لأنه الوحيد الذي يعرف الكتابة وقتها في مجلس الثورة العراقي، وصدقه الرفاق في المجلس خوفاً ربما وليس طوعاً ..

ما زال السياسيون يكذبون من خلال دغدغة مشاعر العامة، وكيل المديح لأنفسهم وقدح معارضيهم في فضائنا العربي من شرقه إلى غربه. قليل من الأصوات تقول لمثل هؤلاء "كفى محاولات الضحك على الناس"، فالناس ليسوا أغبياء كما تتوقعون، على الأقل ليس جميعهم، إن كان ثمة أغبياء فهم أنتم الذين تعتقدون أن آخرين سوف يصدقون هُراءكم ..
وتسير سفينة السياسية العربية على هذا المنوال المليء بالخدع والتزييف والكذب الصراح، والمشكلة ليست هنا فقط، ولكنها أولاً في جمهور يصدق ومُطلق للأكاذيب يصدق نفسه وفي جسم ثقافي ثالثاً يخشى أن ينقد كل ذلك.
لذلك فإن المثقف الصادق في فضائنا العربي يفقد إما رزقة أو حياته أو سمعته، فقط لأنه يكشف تلك الأكاذيب في الذهن شهداء لبنان الذين قتلهم (السفاح الجديد)، فقط لأنهم انتقدوه وأبانوا جرائمه، من جبران تويني إلى لقمان سليم، مروراً بكل تلك الفتية التي جاهرت بالحق في وجه سياسيين من إخوان مسيلمة! وهو نفسه الذي قتل ضحايا المرفأ المغدورين!!
العيب إذاً ليس في تلك الجوقة من الأفاقين، العيب في من يرى نفسه مثقفاً ولا يرفع الصوت، لقد بلغ السيل الزبى، فلا تتستروا وراء التراث ولا تدّعوا ما ليس فيكم أيها السياسيون!! فتقديمكم للتراث بتلك الصورة يدل إلى جهل مؤصل عندكم، وإهانة للتراث في الوقت نفسه، واعتبار الجمهور مجرد قطيع.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العيب فيكم العيب فيكم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab