الخوف من مغادرة حجرة الوهم

الخوف من مغادرة حجرة الوهم!

الخوف من مغادرة حجرة الوهم!

 العرب اليوم -

الخوف من مغادرة حجرة الوهم

بقلم: محمد الرميحي

قال لي صاحب سيارة أجرة «أوبر» الذي أقلني في إحدى العواصم العربية إنه «مرتعب من الحربa الروسية - الأوكرانية». شدَّني ذلك التعليق من الرجل، فسألته: ولماذا أنت مرتعب؟ قال: إذا قامت حرب كبرى، وأسقطت كل الأقمار الصناعية، كيف لي أن أستخدم «غوغل» وأنا أعتمد عليه في الصرف على عائلتي؟
لقد أشار بحصافة إلى حقيقة أن هذه الحرب التي تبدو للبعض بعيدة، هي في الحقيقة أقرب مما يتصور هذا البعض؛ إنها تؤثر حتى في نفسية هذا الرجل البسيط!
ومن ذلك الرجل إلى مجلة «الشؤون الخارجية» لشهر يناير (كانون الثاني) - فبراير (شباط) 2023 ذات النفوذ، التي خصصت دراسة مطولة (أكثر من عشرين صفحة) لمناقشة الحرب، وكان عنوان الدراسة «آخر مواقف بوتين» والعنوان الفرعي كان «مخاطر هزيمة روسيا»! الدراسة تتحدث بإسهاب عن ثلاثة سيناريوهات محتملة للحرب الروسية – الأوكرانية: السيناريو الأول هو «هزيمة روسيا»، وترى أن ذلك أمراً مستبعداً، وهو أقل السيناريوهات احتمالاً. أما الثاني فهو هزيمة أوكرانيا وضمها إلى الاتحاد الروسي، وهذا السيناريو كان قائماً على الافتراض الروسي الأساس بأن الدولة الأوكرانية سوف تسقط سريعاً في غضون أسابيع، أما الآن فإن الأمر لا يبدو كذلك. وكان سيناريو السقوط السريع لأوكرانيا متوقعاً أيضاً في بعض الدوائر الغربية، إلا أن المفاجأة للجميع كانت المقاومة التي ظهرت في صفوف الأوكران، وقد نسي العالم أنها بلاد عانت كثيراً مما تسميه أدبياتها الوطنية «التسلط الروسي» تاريخياً، لذلك قاومت، ووجد الغرب أنه بدعم المقاومين الأوكران يمكن استنزاف روسيا الاتحادية، وإيقاف طموحات السيد بوتين التي أعلن عنها مراراً، وهي عودة الإمبراطورية السوفياتية بأثواب جديدة، حيث وصلت طموحاته إلى احتلال شبه جزيرة القرم ومساعدة النظام السوري على البقاء والبطش بشعبه، بل الوصول إلى بعض بلدان أفريقيا... ذلك الطموح لا يبدو أن له نهاية فتوجب وقفه وجاءت الفرصة في غلطة «الشاطر»!
الخيار هو تكثيف المساعدات لكييف، إلا أن تلك المساعدة تمددت وتطورت من ذخيرة إلى مساعدات إنسانية إلى ناقلات جند ومضادات للصواريخ، وأخيراً دبابات ثقيلة، والمطالبة أيضاً بطائرات حديثة.
على الجانب الآخر استعان الروس بعدد من الحلفاء بما فيهم إيران وكوريا الشمالية ودعم صيني، ومواقف محايدة من دول كبيرة مثل الهند والبرازيل، إلا أن هذا السيناريو يستبعد كلاً من انتصار أو هزيمة الأوكران، وأن الحرب سوف تطول وتُهلك اقتصاد الدول المشاركة بل تُضعف مخزونها الاستراتيجي من السلاح، كما ظهر مؤخراً من شكوى عسكريين فرنسيين، والأكثر بريطانيا، من نضوب مخازن الأسلحة الاستراتيجية وعدم القدرة على تعويضها بسبب ما تكلفه من مال لم يعد متوفراً في ظل الاقتصاد المتراجع لهذه الدول، كما سوف تُضعف الاقتصاد الروسي وتستهلك مخزونه العسكري.
المؤكد أن الغرب بقيادة أميركا لن يسمح بهزيمة الأوكران أمام مشهد التضحية الضخم الذي يقدمونه للدفاع عن وطنهم، في هذا السيناريو لا تستبعد الدراسة أن تستخدم روسيا في مرحلة الضيق قنابل نووية تكتيكية ضد مناطق في أوكرانيا، وتشير إلى خطاب قديم للسيد بوتين ذكّر فيه باستخدام الولايات المتحدة ذلك السلاح ضد اليابان حيث اقتضت المصلحة الوطنية فعله! ويذهب هذا السيناريو إلى افتراض أنه في حال استخدام السلاح النووي التكتيكي، فإن الغرب لن يردّ بالمثل، إلا أن المخاطرة هنا أن تصبح روسيا بلاداً منبوذة وتتحول الدول الجالسة الآن على السياج، ضد روسيا، كما لا يستبعد أن يقوم الأوكران باستخدام أسلحة غير نظيفة ضد بعض المدن الروسية في الداخل.
السيناريو الثالث وربما الأخطر، الذي تتحدث عنه الدراسة هو تغيير ما في داخل الاتحاد الروسي، وهو مراهنة على تغيير القيادة الحالية نتيجة ضيق الشعب الروسي بالتضحية بأبنائه، وربما يسير الأرامل والأمهات والآباء في شوارع موسكو منددين بالحرب. إلا أن هذا السيناريو يحمل مخاطره الكبرى، فانهيار النظام القائم يعني فوضى أكثر من الفوضى التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك أجزائه والحروب المختلفة التي خيضت بعد ذلك، إلا أنه سوف يفتح الباب إلى تحرر شعوب كل من روسيا البيضاء وجورجيا ومولدوفا، ولكن يبقى ما يؤرق إن حدث ذلك السيناريو، وهو: في يد مَن سوف تسقط الترسانة النووية الروسية؟
تعتمد الدراسة في تصورها لتغير في روسيا على تاريخ طويل من تغيير الأنظمة بعد الحروب الفاشلة مثل الحرب الروسية – اليابانية (1905)، والحرب العالمية الثانية التي أنتجت الثورة الروسية، وسقوط الاتحاد السوفياتي الذي جاء بعد سنتين من حرب أفغانستان.
تسهب الدراسة في الاحتمال الأخير، ولكنها على عكس ما توقعت لا تخرج بحلول عقلانية، مثل التفاوض على إنهاء الحرب بحلولٍ تكون مقبولة لأطراف الحرب، مما يعني أن الدوائر الغربية حتى الآن رغم كل التصريحات التي تقول «إننا لا نريد أن ندخل الحرب»، كل المؤشرات توجه الأحداث إلى حرب طويلة وقاسية ومكلفة ليس فقط لأطراف الصراع، قربوا أم بَعُدوا عن ساحة المعركة، ولكن للعالم أجمع، وربما القليل من حجرات التفكير في العواصم المختلفة وضعت أمامها احتمال اشتعال حرب عالمية مختلفة كلياً عمّا شهده العالم في السابق، كما أن الاعتماد كما ذهبت الدراسة على تغييرٍ داخلي في روسيا ربما هو من التمنيات لا أقول مستحيلة، ولكن صعبة، فالوضع لا يشبه حرب فيتنام التي خسرتها أميركا من خلال حجرات الجلوس في منازل الأميركان التي كانت تشهد وقتها مجازر القتل هناك... الساحة مختلفة والافتراضات ليست متقاربة، حيث ما زال الرأي العام الروسي قابلاً للحرب ومصدقاً أنها «تجري حسب الخطط»!
وحده سائق سيارة أجرة «أوبر» الذي تؤرقه تداعيات تلك الحرب واختفاء «غوغل»، وهو يمثل ملايين البشر الذين ينتابهم الذعر أن يختفي الكثير من مظاهر الحياة التي تعودوا عليها، جراء عض الأصابع المميت التي نشاهده يومياً على شاشاتنا، وأساسه الخوف من مغادرة الحجرة؛ حجرة الاستحواذ وحجرة الوهم بالانتصار على الآخر في ظل سلاح نووي مدمِّر.
ما دام الجميع في حجرة الوهم، فإن العالم ليس بخير.

آخر الكلام:
كلنا يعيش في حجرة أوهامه، ربما هي مريحة ولكنها مدمِّرة!

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخوف من مغادرة حجرة الوهم الخوف من مغادرة حجرة الوهم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab