القائد في تاريخ الأمم

القائد في تاريخ الأمم!

القائد في تاريخ الأمم!

 العرب اليوم -

القائد في تاريخ الأمم

بقلم: محمد الرميحي

تتفق المدرستان في علم الاجتماع السياسي، الماركسية بفروعها والوظيفية بفروعها، على أن القائد له أهمية عظيمة في مجتمعه. عاد هذا النقاش من جديد بوفاة "غوربي"، وهو اللقب الذي أطلقته الصحافة الغربية على ميخائيل غورباتشوف الذي توفي الأسبوع الماضي.

الرجل كان مهووساً بقضيتين: الأولى السلام العالمي الذي رحب به على نطاق واسع عالمياً، والثانية هي الحرية التي رأى أنها تقود إلى النمو. وفاة غورباتشوف لم تكن بتوقيت مهم، كما حدثت في هذا الوقت، وهو وقت يرى كثيرون أن القضية الأساس التي يحتدم حولها الصراع في أوكرانيا هي الحرية. بسبب تلك الحرية النسبية التي أتاحها غورباتشوف لمنظومة الدول المنضوية تحت ستار الاتحاد السوفياتي ظهرت خمس عشرة دولة مستقلة، وبسبب تلك الحرية (المفقودة) اليوم في روسيا، يوضع اللوم على فلاديمير بوتين، بأنه ذهب إلى الحرب أصلاً خوفاً من عدوى الحرية التي كانت تتنفسها نسبياً أوكرانيا.

السؤال سيبقى معلقاً، وهو: ما هو تأثير القيادات في مستقبل الشعوب؟ فعلى رغم النيات الطيبة لغورباتشوف والرؤية التي قدمها، إلا أن روسيا انتكست عن الحرية الليبرالية النسبية التي اعتقدَ أن لا تقدم لبلاده من دونها. ولكن ذلك سهل أن يُقال صعب أن يُفسر، أي لماذا تراجع أمل الحريات في روسيا؟ هنا يمكن أن نحسب عدداً من العوامل، منها ما يسمى بالروح الشمولية الشرقية، فهناك شعوب تعودت على المركزية الشديدة، وأي فرص تتاح لليبرالية تعني الذهاب إلى الفوضى في أعين كثيرين، ذلك ناتج من تاريخ طويل في الممارسة وثقافة عامة مترسخة وربما حاجة اجتماعية، حيث الأسهل أن يكون هناك نظام شمولي في نظر هذه الشعوب خير من ليبرالية منفلتة وصراع اجتماعي طويل، لأنها لم تتعود في تاريخها على الاستخدام المنظم للحرية.

لا مندوحة من الاعتراف بأن أغلبية في روسيا، وليس فيها فقط ولكن في البلدان التي تجاورها والتي كانت تحت مظلة الاتحاد السوفياتي، تجد الشعوب راحة أو قل انسجاماً مع شمولية بقيادة قوية إن أمكن مغطاة بأقدم أنواع المخدر، وهو الفخر الوطني، وتعزز الطبقة المستفيدة مالياً ونفوذاً ذلك التوجه وتدعمه، كما تعززه مؤسسات الدولة العميقة إن صح التعبير. ففي الإدارة الشمولية تتقلص فرص الرقابة وتعظم فرص الاستفادة. ألم يقرأ غورباتشوف قراءة صحيحة مجتمعه عندما قرر أن يذهب إلى الانفتاح (بيرسترويكا)؟ أم أنه قدم نظرية هجينة في الداخل لا هي إلى الأمام ولا هي إلى الوراء، فسقطت روسيا في ما هي فيه، رأسمالية اقتصادية مشوّهة تسيطر عليها مجموعة مستفيدة، وحكم سياسي شمولي تحت غطاء كثيف من الشعارات القومية، فهي لا تستطيع أن تتقدم ولا تستطيع أن تذهب إلى الخلف السابق في "نجاحات الاشتراكية"؟! لذلك فإن نظرية "فقدان الأمل في التقدم" تدفع الدول إلى البحث عن نجاحات خارج حدودها بإشعال الحروب. الدول التي ترى أن مستقبلها أفضل لا تلجأ في الغالب إلى الحرب إلا مضطرة، لأن الحروب مستنزفة للموارد التي يحتاجها الناس.

في تاريخ روسيا رجال ما زالوا في ضمير الشعب، إن صح التعبير. بطرس الأكبر رغم أنه كان قيصراً، إلا أنه حتى العصر السوفياتي اعتبره بطلاً قومياً كبيراً رغم عنفه، فقد كان رجل بناء وإصلاحياً بمعنى عصره.

رجل مثل ونستون تشرشل في عيون البريطانيين قائد تاريخي، على رغم أنه لم يكن شعبوياً، ولكنه قرأ فترته التاريخية قراءة صحيحة، فوقف أمام كل محاولات استرضاء أدولف هتلر والنازية عامةً، وقد نشر وهو في المعارضة كتاب "القوة الظلامية" في توصيف النازية، المصطلح الذي أصبح عنواناً محبباً لكثيرين لوصف أعدائهم! وقتها عرف كثيرون أن الرجل له نظرة بعيدة تتعدى الحاضر وتتخطى حتى الشعبوية، فقد كان كثير من الساسة البريطانيين يميلون إلى استرضاء هتلر! تشرشل لم يخل من عيوب، إلا أن حسناته الوطنية تغلبت على عيوبه السياسية.

ليس جديداً في التاريخ أن يقوم قائد بإصلاحات تحقق نتائج إيجابية للناس ويأتي بعده قائد يسير عكس ما سار عليه الأول، التاريخ يقدم لنا الكثير من الأمثلة، لعل آخرها، ولو عامةً، ما شهدناه بين الإدارة الجمهورية والإدارة الديموقراطية في الولايات المتحدة. أسوأ ما يمكن أن يقع فيه القائد خصلتان، أولاهما أن يسقط أسيراً أمام زخم الجماهير وهتافها العاطفي، فهو بذلك ينتهي بأن يتبعها لا أن يقودها، والثانية أن يعتقد أنه فقط لا غيره يملك الحقيقة، فيتخذ قرارات تودي به وبمجتمعه إلى التهلكة.

في الغالب أيضاً، القائد التاريخي لا يُعرف فقط بانتصاراته، ولكن بهزائمه، كما أن أولئك المهزومين في الغالب دوافعهم نفسية، وربما قريبة من أن تكون غير سوية مشوبة بداء العظمة الذي يقود إلى تصور أنه شخص فوق البشر لكثرة ما ردد على أذنيه من دعاية تقوم بها أبواقه.

سيبقى دور القائد في التاريخ مختلفاً عليه، وربما ملتبساً، ولكن من شبه المؤكد أن الفرد له دور مهم في تقدم مجتمعه وإسعاده واستقراره أو في تدميره، فلا يزال للفرد موقع خاص حتى في الدساتير الحديثة والقوانين الضابطة.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القائد في تاريخ الأمم القائد في تاريخ الأمم



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 18:57 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه
 العرب اليوم - العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab