محمد الرميحى

محمد الرميحى

محمد الرميحى

 العرب اليوم -

محمد الرميحى

بقلم : د.محمد الرميحى

إن نظرنا إلى المستقبل المنظور فإن احتمال وقف الحرب الأوكرانية الروسية سوف ينتج منه عموماً تراجع أسعار المواد الأولية، ومنها النفط، فالحروب لا تدوم، وهو، أي النفط، ما تعتمد عليه دول الخليج عامةً في موازناتها ووضع خططها التنموية، مع مستويات مختلفة الدرجات من خطط البدائل منه المنفذة اليوم. ولكن حتى الساعة، فإن معظم دخل دول الخليج هو من النفط أو الغاز. في الوقت نفسه، فإن هذه المجتمعات تشهد نمواً مطرداً في حجم السكان وفي توسع التعليم في الكم، كما تشهد وعياً تخلقه وتشكله التقنية الحديثة، يتيح شهوة مطالب اقتصادية واجتماعية متعاظمة.
 
هذه المجتمعات تعيش اليوم في مستوى اقتصادي معقول، ولكن في المستقبل، مع احتمال مؤكد لانخفاض أسعار المواد الكربوهيدراتية نتيجة الفائض الذي سوف يتحقق، بسبب حاجة روسيا لتعويض خسائرها في الحرب، وأيضاً تسارع البدائل التقنية، فإن أسعار تلك السلع سوف تتراجع بشدة مع ارتفاع في أثمان السلع الاستهلاكية والمصنعة الأخرى، ما يزيد من تراجع في مستوى المعيشة يسبب عدم الرضا وضعف في قدرة الدولة على الوفاء بالمطالب الجديدة، ما يشكل مأزقاً سياسياً واجتماعياً لا جدال فيه. 
 
إذا كانت ثمة أخطاء سياسية كبيرة في المنطقة اليوم، فهي مغطاة نسبياً بتدفقات مالية كثيفة قد تخفي تأثير تلك العيوب وتسد النقص وتقلل من مستوى عدم الرضا. 
قد يجد البعض أن الكلام السابق (خيالي)، ولكن ذلك هو الشعور البشري. إن الغد للبعض لن يأتي، أو سوف يأتي متأخراً، هو افتراض تنقصه الرؤية ويكذبه واقع مجتمعات كثيرة حول العالم وفي شرقنا العربي. 
 
الحل هو التخطيط للمستقبل عن طريق وضع خريطة طريق للإصلاح السياسي، وفي صلبه مشاركة قانونية ومنظمة للجمهور العام في اتخاذ القرار الخاص بحياته. طبعاً ذلك يحتاج إلى تمهيد طريق، وذلك التمهيد يبدأ من المدرسة وبكل تدرجاتها، فالمجتمع الخليجي كما هو قائم مقاوم إلى حد كبير لثقافة المشاركة والانصياع للقانون من الجميع. والتجارب أمامنا واضحة. فهناك أكثر من ستة عقود من المشاركة المتعثرة في بلد مثل الكويت، وفشلت تلك الممارسة الطويلة في قضيتين أساسيتين: الأولى هي نقل الثقل السياسي عامةً من التوزيع إلى الإنتاج، والثانية عدم الفصل بين الرأي والشخص المطلوب في الممارسة الصحية للديموقراطية، وهما مرضان متصلان في ثقافة المجتمع الخليجي والكويتي الريعي، وهي ثقافة جديدة لم تكن موجودة في عصر ما قبل النفط، ولكنها تأصلت.
 
إذاً، النظر إلى المستقبل الذي يفرض تحسين شروط المشاركة هو أمر حتمي، وخطوته الأولى والأهم هي إصلاح التعليم، وهو أمر لا يظهر في عناوين الصحف أو يناقش بجدية بين النخب على مستوياتها المختلفة.
 
فالتعليم يمكن أن يحسّن فهم التحول من ثقافة التوزيع إلى ثقافة الإنتاج، وهو في وضعه الحالي لا يستطيع أن يقوم بتلك المهمة، لأن ثقافة التوزيع هي السائدة، وكأن دخل النفط والغاز دائم ومستمر وفي تصاعد، وهو ليس كذلك. ثقافة التوزيع تجدها في مدارسنا اليوم، لأن ربط الشهادة بالوظيفة يعني استمرار ظاهرة الغش في المدارس، وتزوير الشهادات حتى العليا منها، والتسليم بتصاعد مكافآت الطلاب بصرف النظر عن إنتاجهم المدرسي! فوق ذلك فإنه تعليم يعظم بطريقة أو بأخرى التفكير الماضوي الممزوج بأساطير، وهو هدف يحمله ويذود عنه "الإسلام الحركي" الذي يتغذى على "الإسلام الشعبي"، ولأن الأخير لم تُبذل فيه جهود جادة لتكوين رأي عام مستنير في مقاصده، فهو يشكل احتياطياً استراتيجياً للإسلام الحركي، والدليل لدينا واضح، فإن عدداً من أعضاء مجلس الأمة القائم في الكويت قدموا مجموعة اقتراحات مع شرط  "على الطريقة الشرعية"!! اعتقادهم أن الشريعة ثابتة، فكيف يقام مصنع أدوية مثلاً، كما جاء في أحد الاقتراحات، على الشريعة الإسلامية! وأي قارئ بشيء من العمق يعرف أن الشريعة متغيرة واجتهادية، فليس من الشريعة (أي ما سنّه الآباء) انتخابات ومجالس منتخبة! كما أن بعض الحدود قد تجاوزتها الإنسانية (كبيع العبيد) أو (قطع يد السارق) ومثلها من الأمثلة، هنا نجد أن "الإسلام الشعبي" لم يقم أحد حتى الساعة بتطويره والملاءمة بينه وبين العصر، فجاء الإخوة أصحاب الاقتراح باجتهاد ظنوا أنهم يعملون الشيء الصحيح! ذلك مبلغهم من العلم!
 
إذاً هذه المجتمعات عموماً في دائرة لا فكاك منها من السير نحو الاضطراب، بسبب تفاعل كل تلك العوامل التي ذكرنا بعضاً منها سابقاً.
 
وما الحروب حولنا من اليمن إلى السودان إلى التفكك العراقي والسوري والليبي وحتى التونسي، إلا نتيجة طبيعة لبطء القرار الإصلاحي الذي تحتاجه طبيعياً المجتمعات في عصرنا.
 
عند وضع خطط لتطوير التعليم وإدخال مادة إلزامية على مستويات التعليم في (ثقافة الديموقراطية وشروطها)، وعرض تجارب الأمم وأسباب نجاحها، فإن أي خطط فوقية لتطبيق الديموقراطية ستكون منحرفة عن مقاصدها، ديموقراطية التوزيع وديموقراطية الشخصنة وديموقراطية التطبيق الانتقائي للقانون وديموقراطية المصالح، كما نشاهد في التجارب القليلة حولنا. 
 
إلا إن المشاركة هي مستقبل يجب العمل من أجله بوعي، ولكنها مشاركة واعية ناضجة لا مدرسة صمت، ولا مدرسة مشاغبين، لأن الخيار الذي قد يتاح إن تم ذلك، هو أن تُختطف هذه المجتمعات تحت شعارات أيديولوجية زاعقة إلى الجحيم الذي تعانيه شعوب حولنا!! 

 

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محمد الرميحى محمد الرميحى



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab