بقلم : د.محمد الرميحى
قادة العالم والعالم العربي نعوا المرحوم أمير الكويت الراحل نواف الأحمد الذي ووري في التراب الأحد الماضي، بعد مرض طويل وثلاثة أعوام تقريباً من الحكم. الراحل عندما تسنّم الإمارة نادى بشقيقه الأصغر الشيخ مشعل الأحمد ولياً للعهد، وبسبب مرضه فوّضه بعض صلاحياته التنفيذية.
في السنوات الأخيرة مرت الكويت بعدد من العقبات السياسية التي بدا فيها أن المجتمع منقسم على نفسه ومضطرب الإدارة، إلا أن صدق المشاعر في وداع أمير العفو، وقد أطلق اللقب عفوياً من الناس على اسم الراحل الكبير، سرعان ما وحد الجميع خلف النظام السياسي الذي ارتضوه.
وما إن أعلنت وفاة الشيخ نواف الأحمد الصباح حتى تداعى الكويتيون لنعيه وذكر مناقبه الكثيرة، ورُفع على وسائل التواصل الاجتماعي شعار يبدو أنه أصبح شعار الكويتيين: "رحيل أمير العفو وأهلاً بمشعل الإصلاح"، ربما لما تاق إليه المجتمع الكويتي من إصلاح شامل في أجهزة الدولة التي شابها الوهن منذ زمن، وكاد الناس ييأسون من إصلاح حقيقي يأخذ البلاد، على الأقل، إلى مكان أصبح فيه جيرانها في الخليج من تطور اقتصادي واجتماعي.
خلال أقل من عشرين عاماً فقدت الكويت ثلاثة أمراء: المرحوم الشيخ جابر الأحمد (توفي في كانون الثاني/ يناير 2006) والمرحوم الشيخ صباح الأحمد (توفي 2020) وأخيراً نواف الأحمد الذي وافته المنية السبت (16 كانون الأول/ديسمبر 2023) الحاكم السادس عشر في أسرة الصباح، والسادس بعد الاستقلال والعمل بالدستور الحديث عام 1961، وهو أقصر حكام الكويت بقاءً في الحكم (ثلاثة أعوام تقريباً) منذ فترة طويلة.
بعد فترة قصيرة من حكمه عُرف بأنه مصاب بمرض، وكان المجتمع الكويتي يعرف ذلك، لهذا كان التعاطف معه واسعاً في مرضه وفي وفاته، وقد فوض بعض صلاحياته إلى ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الذي قام بعبء كبير في إدارة الدولة التي تتعدد فيها الرؤى والاجتهادات على رأس الهرم القائد، لذلك بمجرد إعلان الوفاة ومن دون أي تنسيق أغلقت معظم ديوانيات الكويت أبوابها حداداً على الفقيد، وهي منتديات مدنية يجتمع فيها الناس لتبادل الأحاديث ووجهات النظر في الشأن العام.
لم تخلُ سنوات حكم الشيخ نواف من أزمات، وبخاصة في الجانب السياسي الداخلي، من حل أو إبطال لمجلس الأمة الكويتي أكثر من مرة، وصراع سياسي نظرت إليه شريحة كبيرة من أهل الكويت على أنه عبثي ومضيعة للوقت، كما أنها لا تعرف له سبباً مقنعاً غير الصراع الشخصي المدمر، ومن ثم تمت الدعوة إلى انتخابات مبكرة أكثر من مرة، وشاب تلك السنوات الكثير من الأزمات، وقبل وفاته بأيام أصدر الشيخ نواف الأحمد عفواً شاملاً انتفع به تقريباً كل المدانين السياسيين، في أفعال صغيرة أو كبيرة، لذلك استحق أن يُكنّى لدى الجمهور بأمير العفو، ولو أن ذلك العفو انتقدته بعض الشرائح، لأنه شمل أيضاً بعضاً ممّن مسّ أمن الدولة والمجتمع.
الأمير الراحل قضى معظم سني حياته خادماً لوطنه منذ أن كان محافظاً لمنطقة حولي المختلطة السكان، من مواطنين ومقيمين، وقضى في المنصب فترة طويلة تناهز العشرين عاماً، تولى بعدها أكثر من مرة وزارة الداخلية، وأيضاً وزارة الدفاع، وعرف عنه في كل مناصبه الاستقامة والانضباط في أداء عمله والتسامح والبساطة.
بوفاة المرحوم نواف الأحمد تدخل الكويت عصراً جديداً بتسمية الأمير الجديد سمو الشيخ مشعل الأحمد الصباح الأمير السابع عشر في أسرة الصباح الحاكمة، والسابع بعد الاستقلال، ويحدو الكثير من الكويتيين الأمل بأن يكون عصر إصلاح وإنجاز، إصلاح مستحق في أكثر من نظام إداري وسياسي، فثمة حاجة كبيرة لإصلاح منظومة التعليم وعصرنتها وتنقيتها من الشوائب، وتطوير منظومة الصحة العامة، ولمراقبة دقيقة للمؤسسات الصحية الخاصة، وتطوير الإدارة العامة التي ترهّل جسمها، والإصلاح الاقتصادي الذي تتناقض قوانينه بين الإغلاق والانفتاح، والأكثر أهمية الإصلاح السياسي المستحق في تطوير منظومة التشريع، بجانب أمر مستحق وهو فرض التناغم بين مؤسسات الدولة التي يناقض، في بعض المراحل، ما يتخذه يسارها من قرارت، ما يتخذه يمينها من قرارات، بجانب إهمال طويل لقوة الكويت الناعمة وهي الدبلوماسية النشيطة من جهة، والإنتاج الثقافي من جهة أخرى، وكلاهما كانا للكويت صوتاً نافذاً في محيطها، وجناحيها اللذين تحلق بهما.
المهمة صعبة وغداً الأربعاء سيكون التنصيب الدستوري لقائد الكويت مشعل الأحمد في مجلس الأمة، وبعده بأيام كما تنص القواعد الدستورية، تستقيل الحكومة وتكلف حكومة جديدة أو يعاد تكليفها، بحسب التصور الذي يراه الأمير، ثم هناك خطوة مهمة ينتظرها الشعب الكويتي في تسمية ولي العهد الجديد. إن ما ينتظره الكويتيون من العهد الجديد هو الكثير، ولكن الثقة مطلقة في قدرات الأمير الجديد سمو الشيخ مشعل في تسيير الركب والإبحار إلى آفاق أرحب للكويت وقيادة رشيدة تعلي مصلحة البلد على المصالح الخاصة والضيقة وتحقق الأمن والأمان، ونحن في منطقة كما نرى تعيش اضطراباً ليس بهيّن.