قراءة في لقاء محمد بن سلمان

قراءة في لقاء محمد بن سلمان

قراءة في لقاء محمد بن سلمان

 العرب اليوم -

قراءة في لقاء محمد بن سلمان

بقلم : د.محمد الرميحى

مع حفظ الألقاب، فإن لقاء الأمير محمد بن سلمان مع محطة "فوكس نيوز" الأميركية دشن الموسم السياسي الخريفي العربي والخليجي، فقليل من السياسيين العرب يمتلك تلك المقدرة في تجسير الفجوة الحضارية بين العالم المتقدم والعالم العربي.

كانت هناك قيادات، ولكنها في الغالب اعتمدت على كفاءات من خارج شخوصها، بالتالي ما سمعناه من أولئك الوسطاء لا يعبر بالضرورة عن مكنونات القائد، بن سلمان مختلف. لقد حلم جيلنا في الخليج، وأنا أنتمي إلى المخضرمين، بأن نحصل على قيادة من نوعية بن سلمان، يستطيع بكفاءة وقدرة ورؤية أن ينقلنا من الاغتراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلى الألفة مع العالم، كما تستطيع أن تقلل الفجوة بين أهل الحكم وأهل المعرفة الحديثة، لقد كانت تلك الفجوة عقبة كبرى أمام التحديث.

الاغتراب الذي عانيناه كان اغتراباً معرفياً، فجيل أو أكثر من أبناء الخليج حصلوا على علومهم المختلفة من الغرب، ولما عادوا إلى أوطانهم لم يمكنهم مجتمعهم من أي إنجاز، فإما أنهم انزووا في مكان قصي، أو أنهم خرجوا من السرب والتحقوا بالأسراب السياسية المختلفة، وهي بذاتها خارجة عن العصر، قدمت لهم بشائر كاذبة من الأمل.

لقد اتخذ بن سلمان توازن "الملاءمة والقوة" كي يقدم لبلده وأيضاً للإقليم نموذجاً جدياً في التنمية المتكاملة، ويرى البعض ممن يعرف المملكة، أن تلك الرؤية قد خزنها على مر عقود من الزمن الملك سلمان بن عبد العزيز، واختار بحصافة من ينفذها على الأرض.

ليس هناك عمل كامل للبشر، في العمل العام هناك أخطاء، ولم يكن محمد بن سلمان بشخصه وموقفه ليتجاهلها أو يعتبرها من الصغائر، ففي المقابلة تحدث بشجاعة نادرة عن الأخطاء، وفي الوقت نفسه وبالشجاعة نفسها عن العزم على تخطيها بما فيها تطوير القوانين الناظمة للمجتمع. لقد تعودنا في هذا الإقليم مع الأسف على نظرية الإنكار من قبل القيادات، وهي التي قادت إلى عواصف سياسية من غرب الوطن العربي إلى شرقه، وحتى جواره. لم تكن في برنامج بن سلمان نظرية الإنكار، فبدأ بالاعتراف بالنواقص تمهيداً لإزاحتها من الطريق.

اللقاء نفسه لقاء شجاع، لأن الموافقة على لقاء تلفزيوني لمؤسسة إعلامية أميركية معروفة بمنهجها النقدي، ومع صحافي يحمل كل مخزون الليبرالية الأميركية، تجعل من أي سياسي يفكر مرتين قبل الموافقة، لأن الصحافي ليس شخصاً محايداً، هو يرغب في أن ينقل إلى مشاهديه ما يعتقد أنه يشكل هواجسهم من جهة، وأيضاً ما يشدهم إلى برنامجه، من جهة أخرى، ولم تتأخر المحطة بعدما حصلت على المقابلة في القول "نحن نأتيكم بالعناوين الرئيسية". هذه المرة هناك زخم من العناوين الرئيسية، وقد كان التقدير من المحطة منطبقاً على الحقيقة، لقد كانت عناوين غير مسبوقة.

من بين تلك العناوين أن الإنجاز الذي تم في السعودية حتى الآن هو الأسرع والأكثر كثافة في دول الاقتصاديات العشرين الكبرى، وأن الطموح أكبر من ذلك. لقد تحقق تقدم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وتمكين المرأة والتعليم والشباب والسياحة والصناعة المالية، ما لم يتحقق في أي مكان في العالم في القرن الحادي والعشرين.

قال الأمير: "في السابق كنا نريد أن نتقدم من أجل المملكة، والآن نريد أن نتقدم من أجل الإقليم والسلام العالمي"، لذلك فإن الأمل هو بـ"خفض الصراعات"، وبأن تكون صفرية في المستقبل، لأن التنمية لا تحدث في جوار صراعي حيث تُستنزف الطاقات على تلك الصراعات.

تناولت المقابلة موضوعات حساسة في السياسة الخارجية، وهي أولاً العلاقة مع إسرائيل، وعرف العالم أن المفاوضات ما زالت قائمة بين الأطراف الثلاثة: السعودية، أميركا، وإسرائيل، ولكن ما يهم السعودية هو وضع أفضل للفلسطينيين، مع احتفاظ بن سلمان بأوراقه من دون الإفصاح أكثر، ومع الاعتراف بأن هناك الكثير من المصالح يمكن أن تتحقق لإسرائيل والجوار في خفض مستوى الصراع. وثانياً العلاقة مع الولايات المتحدة قديمة، مرت بمنحنيات، ولكن مصالح البلدين تقتضي تعظيم الجوامع وتفهم الخصوصيات، فما زالت الولايات المتحدة شريكة اقتصادية، والأهم عسكرية. وثالثاً في الموضوع النووي، وما كانت إيران تسعى للتسلح به، وكان الرد من جانبين، أن أي استحواذ على هذا النوع من السلاح لا يستطيع من يحصل عليه استخدامه، لأن العالم إن فعل فسيكون ضده، والجانب الآخر "إن حصلوا على واحدة فسوف نحصل على واحدة".

نظرية بن سلمان الواضحة في السياسية الخارجية هي أن التنمية تحتاج إلى استقرار، والسعي بكل قوة للحصول على ذلك الاستقرار، مع إيران وفي اليمن وفي لبنان وسوريا ومع الأتراك، ومع القوى العالمية كالهند والصين. أما عن تكتل "بريكس" فهو تجمع اقتصادي وليس موجهاً للغرب كتكتل سياسي، فهناك من المشاركين فيه من هم حلفاء للولايات المتحدة، وبهذا التصريح وضع حداً للحديث عن بناء تكتلات مضادة للغرب.

النفط وأسعاره والعلاقة بروسيا محور يهم متخذ القرار في الغرب عموماً وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، وكان الرد من الأمير واضحاً، إنها مصالح اقتصادية يحكمها العرض والطلب لا غير، وهو خط التزمته المملكة كأكبر مصدر للنفط من زمن.

الصين هي الهاجس الأكبر لمتخذ القرار الأميركي، ولم يكن رد الأمير عاطفياً في هذا الملف، فأولاً قال إن الرئيس الصيني يريد الأفضل لبلاده وذلك من حقه. وثانياً، وهو الرأي العقلاني، فإن سقوط الصين أو اضطرابها يعني اضطراب العالم بأكمله، بما فيه الولايات المتحدة، بسبب ما تمثله الصين اليوم من قوة اقتصادية ضخمة.

المقابلة تعطي انطباعاً بأن محمد بن سلمان وما تمثله المملكة من ثقل إقليمي ودولي يقوم بتغيير شروط اللعبة، وهذا التغيير بالضرورة لا يتوافق مع طموحات البعض أو مصالحهم، لذلك لا يخلو المشروع من مقاومة، ولمواجهة هذا المقاومة فإن المطلوب هو مواكبة إعلامية حثيثة وحصيفة تبتعد من العواطف لمخاطبة المصالح والعقول، لأن تغيير قواعد اللعبة يحمل الكثير من البشائر، ولكنه يحمل أيضاً الأخطار التي توجب اليقظة.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة في لقاء محمد بن سلمان قراءة في لقاء محمد بن سلمان



GMT 21:53 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025
 العرب اليوم - زينة وباسم سمرة معاً في الدراما والسينما في 2025

GMT 20:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 02:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

النيران تلتهم خيام النازحين في المواصي بقطاع غزة

GMT 17:23 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنتر ميلان الإيطالي يناقش تمديد عقد سيموني إنزاجي

GMT 16:59 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يتوعد الحوثيين بالتحرّك ضدهم بقوة وتصميم

GMT 17:11 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة الجزائري يوقف حكمين بشكل فوري بسبب خطأ جسيم

GMT 02:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 10 ركاب وإصابة 12 في تحطم طائرة في البرازيل

GMT 06:45 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

انفجار قوي يضرب قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية

GMT 17:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

.. قتلى في اصطدام مروحية بمبنى مستشفى في تركيا

GMT 11:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab