بقلم : د.محمد الرميحي
رحل عن دنيانا الفانية الصديق الكبير عبد العزيز سعود البابطين، رثاء الرجل يحتاج إلى صفحات كثيرة، لأن تاريخ حياته وكفاحه ثري ومتشعب، ومن الأفضل أن يتداعى أصدقاؤه الكثر ليقوموا بذلك العمل التوثيقي المطلوب، الرجل اهتم بالثقافة وسخر ماله الخاص للإحسان وأعمال البر والخير علناً وسراً ودائماً في الشأن الثقافي، لما يراه من أهمية في تطور المجتمعات وعمل جاهداً لرفع شأن بلده، وأيضاً منطقته الخليجية التي ينتمي إليها بكل إخلاص.
في الثقافة، إنشاء مؤسسة البابطين للثقافة التي اهتمت بالشعر العربي جمعاً وشرحاً، فأصدرت معجم البابطين للشعراء العرب في عدد من العصور العربية السابقة والمعاصرة، وأصبحت تلك المعاجم مصدراً لا غنى عنه لكل باحث في هذا الموضوع. أيضاً قامت المؤسسة بتقديم الجوائز المجزية للشعراء النابهين العرب في مهرجان الشعر الذي يعقد كل عام في الربيع في مكتبة البابطين في الكويت، وهي المكتبة التي أنشأها الفقيد لخدمة الثقافة العامة، وتحتوي على اللافت من الكتب في الشعر وفي غيرها من الكتب ذات الاهتمامات البحثية والعلمية وأصبحت مكاناً للباحثين والدارسين، في العمل الثقافي امتدت يد العون للفقيد البابطين إلى الاستثمار في التعليم، فأرسل على حسابه الخاص كماً من الطلاب من دول آسيا الوسطى الإسلامية، حتى تعدى عددهم عشرات الآلاف، منهم من تخرج وعمل في مناصب مهمة في بلاده، وقد فتح للدارسين مكتباً لخدمتهم في القاهرة وخصص عمارة تضم سكن الدارسين وبخاصة الدارسين في الأزهر الشريف وتكفل بكل احتياجاتهم ومصاريفهم. كما قامت مؤسسة البابطين بتنظيم عدد كبير من الملتقيات الفكرية والعلمية، وبخاصة في الموضوع القريب إلى قلب المرحوم وهو السلام والأمن في منطقتنا التي شهدت نزاعات دامية.
لقد كان مهتماً بأن تعقد تلك المنتديات في عدد من العواصم العربية مثل القاهرة وأبوظبي، وبيروت، والرياض، وأيضاً في عواصم غربية كباريس وبرلين، وكانت المؤسسة تخطط للقاء المقبل في القاهرة آخر يناير القادم، وكانت الاستعدادات لهذا اللقاء قائمة على قدم وساق، يتابع خطواتها التنفيذية حتى آخر أيامه.
ليس ذلك فحسب، فالرجل من الرجال العصاميين في منطقة الخليج، الذين بدؤوا عملهم الحر في ريعان الشباب وفي أعمال بسيطة، وفي الوقت نفسه الذي كان يعمل كان يدرس أيضاً.
هو ينتمي إلى عائلة فضلاء للكثير منهم يد طولى في العلم وفي التجارة وفي الإحسان، وصل إلى الإفلاس في أكثر من مرة في حياته التجارية، ولكنه عاد ونهض من جديد معتمداً على روح لا تعرف الهزيمة أو التراجع، حتى غدا من البيوتات التجارية الكبيرة في الكويت والخليج.
لعب الرجل أدواراً خفيه في الموضوعات السياسية مقرباً وموفقاً، فكان على صلة بكبار المسؤولين العرب في العواصم العربية المختلفة، من بغداد إلى القاهرة إلى دمشق إلى بيروت وغيرها من العواصم. ومع ما فاء الله له من ثروة كان الرجل متواضعاً ومحباً وودوداً، وكان ديوانه في الكويت مفتوحاً دائماً للزوار والأصدقاء، بل وكبار من يصل إلى الكويت من رجال الدولة العرب، فاستضاف أسماء مثل رفيق الحريري، والمرحومين الأمير سلطان بن عبد العزيز والأمير نايف بن عبد العزيز، وأيضاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، كما كان ديوانه مقراً مؤقتاً اختاره المرحوم الشيخ جابر الأحمد مباشرة بعد تحرير الكويت من الغزو عام 1990 وأقام فيه لمدة أشهر، وكان مقرباً من الأسرة الحاكمة في الكويت وغيرها.
رحم الله الفقيد والعزاء لأسرته ومحبيه، وجزاه الله عن أعماله الخيرة خير جزاء.