بقلم - حسين شبكشي
إذا كانت لصناعة السجاد اليدوي من ريادة فهي عادة ما تحسب للسجاد الإيراني، الذي له سمعة معروفة في هذا المجال، فإذا كنت تبحث عن قطعة مميزة من السجاد الحرير، فكانت النصيحة أن تقتني سجادة من قم، أما إذا كنت تهوى اقتناء السجاد المصنوع من الصوف أو الصوف المطعم بالحرير الخالص، فكانت النصيحة باقتناء سجادة من أصفهان أو كاشان أو نايين أو شيراز.
كانت السجادة الفاخرة الكبيرة الحجم ذات العقد الصغيرة والكثيرة عادة ما تستغرق في إنجازها فترة لا تقل عن ست سنوات من العمل الدؤوب والصبر العظيم والتركيز الكبير، وقد يعمل عليها ثلاثة أجيال كالجد والأب والأبناء مثلاً وتحولت هذه الصناعة منذ قيام الثورة الخمينية في إيران إلى مصدر مهم لغسل وتبييض الأموال من إيران إلى خارجها أو الحصول على النقد الصعب إلى الداخل الإيراني. وتحولت هذه الصناعة مع الوقت إلى واجهة لتمويل ومقايضة البضائع للتغلب على العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة عليها، فالسجاد الإيراني كان يحمل ميزة خفة حمله وغلاء ثمنه ونقله يتم عبر الحقائب الشخصية أو ما يعرف بتجارة الشنطة، حتى فطنت إليه السلطات المختصة في البلدان المختلفة.
ورغم صعود منافسين للسجاد الإيراني من تركيا ودول القوقاز وتركمانستان وأفغانستان، فإن الإقبال على السجاد الإيراني بقي مميزاً، حتى حدث الانقلاب الكبير، الذي تمثل في دخول الصين على الخط وما حققته من نجاح في الإنتاج الآلي والتقليد الكامل للتصميم المناطقي المميز للسجاد الإيراني، ولا يمكن التفريق بينه وبين الإنتاج اليدوي بالنسبة للعامة ومن دون اللجوء إلى آراء خبيرة ومتخصصة. وهذا لن يكون مسألة ضرورية لأن سعر الصيني المقلد يبلغ ثلث قيمة نظيره المقابل من السجاد الإيراني الأصلي، مما يجعل شراءه قراراً مغرياً بامتياز.
هذا الواقع الجديد ساهم في تقليص القدرة التنافسية التاريخية للسجاد الإيراني وفقد الكثير من حجم حصة السوق والمكانة التي كانت تأتي معه. وتنتشر صناعة تقليد السجاد الإيراني بكثافة في مناطق الصين الوسطى تحديداً، وبدأت منذ التسعينات الميلادية على استحياء، ثم توسعت وانتشرت وتحسنت تماماً مثلها مثل المنتجات الصينية الأخرى التي بدأت بمشروع تقليد بسيط ثم انقضت على الأصل.
تذكرت هذه الخلفية البسيطة واللافتة والمهمة في الوقت نفسه، وأنا أتابع تغطية خبر الاتفاق الاقتصادي الكبير بين الصين وإيران، الذي سيغطي مدة خمسة وعشرين عاماً ويمنح الصين موطئ قدم مهماً واستراتيجياً في قلب المياه الدافئة للخليج العربي، وهي مسألة كانت في حلم الصين. والاتفاق يشمل قطاعات الغاز والنفط والاتصالات والنقل، ويسمح بوجود عددي صيني كبير في إيران (وهو الشرط الذي أثار استغراب ودهشة الكثير من المحللين المتابعين للاتفاق)... ولكن هذا يصب تماماً في نهج الصين الاستعماري الاقتصادي الجديد، ويظهر ذلك جلياً فيما أنجزته حتى الآن في القارة الأفريقية، عندما وضعت خطة توطين عشرة ملايين صيني في القارة الأفريقية، وذلك بحلول عام 2010، وهو ما أنجزته بالفعل وبشكل مدهش وتعمل على تكراره في مناطق أخرى حول العالم في آسيا وأميركا الجنوبية تحديداً.
العلاقات الصينية - الإيرانية قديمة جداً منذ ما يقارب المائتي عام قبل الميلاد بين ما كان يعرف قديماً بالإمبراطورية الصينية وفارس التاريخية. ولكن اليوم هناك الصين التي تقاد بحزب شيوعي يرتدي غطاء رأسمالياً، ويحاول أن ينشر مشروعه الاستعماري التوسعي بدون إطلاق رصاصة واحدة؛ فقط بالاعتماد على تقديم مغريات الجزرة الاقتصادية للدول المأزومة المحتاجة.
إيران هي اليوم مشروع طائفي ثوري ودولة إرهابية مارقة بامتياز تتعلق بالقشة الصينية لتخرج من عزلتها العالمية الكبرى، وهي الجزرة نفسها التي عرضت على سريلانكا وباكستان وغرقتا لاحقاً في بحر من الديون ضاعت معها السيادة على بعض الأصول المهمة المرهونة. هو اتفاق الحاجة والضرورة لكل طرف منهما، كل فريق يبحث فيها عن مواطن ضعف الآخر لاستغلالها بشكل مثالي. أحد تجار السجاد الصينيين كان قديماً في زيارة إلى سوق البازار الشهير في قلب طهران التاريخية، واشترى من أحد المحال فيها بعض أنواع السجاد وكان يدون بالصينية على دفتر صغير الإجابات التي يتلقاها على أسئلته عن السجاد من صاحب المحل، لتمر الأيام وتنشر روايات السجاد الإيراني المقلد في الصين، ويذهب الرجل نفسه صاحب محل السجاد في طهران إلى قلب الصين الوسطى في شينغيانغ ليقابل الرجل الصيني نفسه الذي ابتسم في وجهه قائلاً: لا تحزن يا صديقي إنها الأعمال!